للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدهما ذلك بعد النهي أمر بأدبه. قاله سحنون. وكان سحنون إذا غلط عنده الشاهد في شهادته أعرض عنه وأمر المكاتب أن لا يكتب، وربما قال له: تثبت ثم يردده، فإذا ثبت على شهادته أمر كاتبه فكتب لفظ الشاهد ولا يزيد ولا ينقص، وليمنع القاضي ذات الجمال والنطق الرخيم أن تباشر الخصومة ويأمرها أن توكل وكيلا. وقال المازري: إذا كانت الدعوى على امرأة شابة لها جمال ويخاف عليها إن تكلمت أن يؤدي سماع كلامها إلى الشغف بها، فإنها تؤمر أن توكل.

وقد حضرت الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقرت بالزنى، فأمر برجمها: وقال صلى الله عليه وسلم في المرأة الأخرى: (واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها) (١)، فلم يأمر بإحضارها ولعلها كانت على حال لا يحسن إحضارها وخطابها بمحضر الناس، وينبغي للقاضي أن يؤدب من قام بشكية بغير حق أو ادعى باطلا وأقل ذلك الحبس ليندفع بذلك أهل الباطل واللدد عن ذلك. قاله في التبصرة. وإذا توجه الحق لأحد الخصمين بتغيب خصمه، فأراد من الحاكم رسولا يعينه على طلبه فيجب على الحاكم إجابته إلى ذلك، وإذا دخل عليه الخصمان فلا يسألهما من المدعي منهما، بل يسكت حتى يبدأ أحدهما بالكلام. وقال بعضهم: يسألهما، قال ابن أبي زمنين: وهذا شأن حكام العدل. وقال المازري: هو بالخيار إن شاء سكت عنهما حتى [ينظر] (٢) أحدهما ويستدعي من القاضي الجواب، وإن شاء سألهما جميعا بلفظ التثنية، فقال: ما لكما أو ما حاجتكما، ولا يخص أحدهما بالسؤال لأن سؤال أحدهما يشعر بعناية القاضي به وإقباله عليه دون خصمه، والقاضي مأمور بالعدل بينهما في مدخلهما إليه فلا يأذن لأحدهما قبل الآخر، وفي مخرجهما عنه فلا يصرف أحدهما قبل الآخر وإقباله بوجهه عليهما وفي كلامه لهما.

وقد نزل ضيف بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فخوصم عنده، فأمر ضيفه أن يتحول عنه من منزله ولا يحلف المدعى عليه إذا أنكر إلا بإذن خصمه، إلا أن يكون شاهد من حاله أنه أراد ذلك من القاضي، وينبغي للقاضي موعظة الخصمين وتعريفهما بأن (من خاصم في باطل فإنه خَائِضٌ


(١) البخاري، كتاب الحدود، رقم الحديث ٧٨٢٨.
(٢) الذي في التبصرة ج ١ ص ٤١ ينطق.