رماهما بذلك حدت وما قاله غير ظاهر لأنه لم يفتر عليهما ودَرْء الحد أولى. وفي الحديث:(إذا وجدتم للمسلم مخرجا فادرءوا عنه الحد)(١)، وقد جعل ابن رشد القذف قسما من ذِكْرِ المسلم يما ليس فيه، ويأتي في قوله:"زنيت مكرهة" أنه إن أثبت الإكراه لم يحد. انتهى. وتعقبه علي الأجهوري ظاهر لا مرية فيه، فقول عبد الباقي: هل يحد وهو الظاهر غير ظاهر. واللَّه تعالى أعلم.
الثامن: قد مر للمصنف أن المنبوذ لا يحد قاذفه بنفي نسب، وأن المحمول يحد قاذفه بنفي النسب وكذا المجهول ولا بد من الكلام على تحقيق ذلك، فأقول معترفا بالتقصير معتصما باللطيف الخبير: المنبوذ هو الذي طرح عند ولادته فلم يعلم له أب ولا أم ولم يستلحقه أحد، فإنه لا يحد من نفاه عن أب بأن قال له: لا أب لك أو يا ولد زنى لقول مالك: ما يعلم منبوذ إلا ولد زنى، ولابن حبيب مثله نقله اللخمي عنهما. وهذا هو المعتمد كما مر. وقال ابن رشدة إن من قذفه بأبيه وأمه لا يحد، وأما إن قال له يا ولد زنى فإنه يحد لاحتمال أنه لرشدة أي لغير زنى وهو خلاف المعتمد كما عرفت. قال الحطاب: قال ابن حبيب: من قذف المنبوذ بأبيه وأمه لم يحدد، وقد قيل: المنبوذ من نبذ عند ما ولد، والشأن إنما يفعل بما ولد عن زنى، ولمالك في المبسوط مثله فيمن قال لرجل يا منبوذ، قال: ما نعلم منبوذا إلا ولد زنى، وأرى على من قال ذلك الحد. فقول المصنف:"ولا إن نبذ" الذي يظهر من معناه أن من نفى منبوذا عن أب أو جد لا حد عليه، ولا إشكال في ذلك لأنه لا أب له ولا جد إذ لا نسب له، هذا إن كان معناه أنه قال لست ابن فلان، وأما إن كان معناه أنه قال له لا أب لك أو يا ولد زنى فهذا يأتي على ما ذكره اللخمي عن مالك في المبسوط وعن ابن حبيب، وما حكاه عياض عن ابن القاسم وإن كان خلاف ما ذكره ابن رشد في البيان وحكاه عنه ابن غازي، وأما ما ذكره الشارح والمحشي في تفسير كلام المصنف وأن معناه إذا قال لمنبوذ يا ابن الزاني أو يا ابن الزانية فَبَعِيدٌ لأن كلام المصنف في النفي عن النسب لا في قذف أبي المنبوذ أو أمه. انتهى.