وروايته عن مالك أن لأولياء المقتول جبر المقاتل على الدية وهو قول الشافعي وغير واحد من الأئمة، والموافق للحديث المتفق عليه ولأنه يؤل للمال على المشهور من قول مالك وابن القاسم أنه يجبر المقاتل على الدية في كثير من المسائل، ولأن الدم إذا استحقه متعدد يسقط بعفو بعضهم ويئول حق غيره إلى المال فيعطى نصيبه من الدية والقذف إذا استحقه متعدد لا يسقط بعفو بعضهم، بل يكون للآخر القيام به فلم يؤل إلى المال في حال من الأحوال، وقد قال الباجي نفسه قبل ما قدمناه عنه بقريب: إن حد القذف مبني على أنه لا يجوز عفو بعض القائمين، بخلاف ولاة الدم لأن هذا ليس بدلا من المال فَيَؤُولُ بعض من قام بالدم إليه إذا عفا بعضهم. انتهى. فتأمله بإنصاف. وما تقدم من أن قول أشهب في مدونته أن للعافي القيام بالقذف بعد عفوه مقابل، محله إذا وقع العفو مطلقا لا مقيدا، ففي اختصار الشيخ حلولو لنوازل البرزلي وفيها: إذا عفا المقذوف على أنه متى شاء قام بحده وكتب بذلك كتابا وأشهد بذلك له متى قام به، فإن مات كان لوالده القيام به، قال شيخنا: معناه إذا رضي القاذف بالتأخير. انتهى. والضمير في قوله: وفيها -واللَّه أعلم- للمدونة لأن المسألة مذكورة فيها وقد تردد أبو الحسن في فهمها، وما عزاه اللخمي لأشهب عزاه ابن يونس لروايته مع زيادة ونصه: وروى أشهب عن مالك أنه متى قام به بعد ذلك العفو حد له إلا أن يكون أراد سترا، وقاله ابن شهاب وابن وهب، وقال أصبغ: قول مالك وابن القاسم أحب إلينا وهو قول الناس أن عفوه قبل بلوغ الإمام يسقط عنه الحد. انتهى. واللَّه سبحانه أعلم. انتهى.
الخامس: قال الشبراخيتي: لا يجوز للإمام العفو عن حد السرقة والزنى والشرب حيث بلغه، ولا يجوز لأحد الشفاعة فيها لأنها حقوق للَّه تعالى ولو تاب الفاعل وحسنت حالته، وأما قبل بلوغ الإمام فتجوز الشفاعة فيها. قاله التتائي. قوله: وأما قبل بلوغ الإمام الخ ظاهره سواء كان معروفا بالفساد أم لا، ولكنه فصل في المدونة في حد السرقة خاصة بين المعروف بالفساد فلا تجوز الشفاعة فيه وبين غيره فتجوز. انتهى.