ولعلَّه يشيرُ بذلك إلى إمكانِ السماعِ، ونحن لا نُنكِرُ ذلك، إنما الشأنُ في عدمِ ثبوتِ روايتِه عنه إلا من طريقٍ ضعيفٍ، مع أن ابنَ المُسَيِّبِ إمامٌ كبيرٌ له تلامذتُه الحافظون لحديثه، فأين هُم مِن روايةِ شيخِهم عن صحابيٍّ جليلٍ كأنسٍ رضي الله عنه؟ !
ولذا؛ فإن الحافظَ المِزِّيَّ لما ذَكرَ أنسَ بنَ مالكٍ ضِمْنَ شيوخِ سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ قال:"مِن وجهٍ ضعيف"(تهذيب الكمال ١١/ ٦٧).
والحديث ضَعَّفَهُ الهَيْثَميُّ، فقال:"وفيه محمدُ بنُ الحسنِ بنِ أبي يزيدَ، وهو ضعيفٌ"(مجمع الزوائد ١٤٧٠).
قلنا: وقد جاء ذِكرُ سعيد بن المُسَيِّب مِن وجهٍ آخَرَ، كما في:
الطريق الثاني:
رواه الطَّبَرانيُّ في (الأوسط)، و (الصغير)، وابنُ أخي مِيمِي -ومن طريقه ابنُ عساكرَ- من طرقٍ عن مسلمِ بنِ حاتمٍ الأنصاريِّ، قال: نا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ، عن أبيه، عن عليِّ بنِ زيدٍ، عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، قال: قال أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: ((قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ ... ))، وساقَ الحديثَ بطوله.
قال الطَّبَرانيُّ في (الأوسط): "لم يَروِ هذا الحديثَ بهذا التمامِ عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ إلا عليُّ بنُ زيدٍ، ولا عن عليِّ بنِ زيدٍ إلا عبدُ اللهِ بنُ المُثَنَّى، تفرَّدَ به مسلمُ بنُ حاتمٍ، عن الأنصاريِّ، عن أبيه، وتفرَّدَ به محمدُ بنُ الحسنِ بنِ أبي يزيدَ، عن عَبَّادٍ المِنْقَري".
وقال في (الصغير): "لا يُروَى عن أنسٍ بهذا التمامِ إلا بهذا الإسنادِ، تفرَّدَ به مسلمٌ الأنصاريُّ، وكان ثقةً".