فتبين من كلام ابن المواق وتبعه العراقي: أن التابعيَّ إذا حكى قصةً لم يدركْها ولم يشاهدْها، فهي منقطعةٌ. وهذا متحققٌ في روايةِ أبي قَيسٍ هذا، فلا مسوغ لجعلها من قبيل الاتصال كما فَعَلَ من تقدَّمَ.
ولذا قالَ الإمامُ أحمدُ -وذُكِرَ له ما رُويَ عن عمرٍو-: ((ليسَ بمتصلِ الإسنادِ)) (شرح ابن ماجه ٢/ ٣٤٢)، و (فتح الباري لابن رجب ٢/ ٢٧٩).
وقال ابنُ المواق -في تعقبه عبد الحق، وابن القطان في قولهما:((إن أبا قيس رواه عن عمرو بن العاصي (١))) -، قال:((فإنه ليس كذلك، وإنما أرسله إرسالًا)) (بغية النقاد ١/ ٢٣٦).
وقال ابنُ رجبٍ:((وفي هذه الرواية زيادة: (أبي قيس) في إسناده، وظاهرها الإرسال)) (فتح الباري ٢/ ٢٧٩).
قلنا: وقد خُولف يحيى بن أيوب وعمرو بن الحارث في إسناده، وهو
الوجه الثالث: عن يزيد بن أبي حبيب وغيره: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّرَ عَمْرَو بنَ العَاصِ على جَيشٍ فَسَارَ، وإنَّهُ احْتَلَمَ في ليلةٍ باردةٍ، فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ هُوَ اغْتَسَلَ بالماءِ البَارِدِ أن يموتَ، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بِهم، وإنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ:((مَا أُحِبُّ أَنَّكَ تَرَكْتَ شَيْئًا مِمَّا فَعَلْتَ، وَلَا فَعَلْتَ شَيْئًا مِمَّا تَرَكْتَ)).
رواه سحنون في (المدونة ١/ ١٤٧) قال: قال ابن وهب.
ورواه الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول ١٢٤١) عن قتيبة بن سعيد.
(١) كذا في المطبوع، وهو صحيح. قال الإمام النووي: ((وأما العاصي: فأكثر ما يأتي في كتب الحديث والفقه ونحوها بحذف الياء وهي لغة، والفصيحُ الصحيحُ: العاصي بإثبات الياء)) (شرح مسلم ١/ ٧٧).