للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اسْتَحَبَّ تلقين الرجوع عنِ الإقرارِ بموجبِ الحَدِّ صريحًا" (شرح صحيح مسلم ١٧/ ٨١).

قال ابنُ حَجرٍ: ((قدِ اختَلَفَ نظرُ العلماءِ في هذا الحكمِ:

فظاهرُ ترجمةِ البخاريِّ حَمْله على من أقرَّ بحَدٍّ ولم يفسره فإنه لا يجبُ على الإمامِ أن يقيمَهُ عليه إذا تابَ.

وحمله الخطابيُّ على أنه يجوزُ أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم اطَّلعَ بالوحيِّ على أنَّ اللهَ قد غَفَرَ له لكونها واقعة عين، وإلا لكانَ يَسْتَفْسِرُهُ عنِ الحَدِّ ويقيمه عليه. وقال أيضًا: في هذا الحديثِ أنه لا يُكشفُ عنِ الحدودِ بل يُدفعُ مهما أمكنَ، وهذا الرجلُ لم يُفصحْ بأمرٍ يلزمه به إقامة الحد عليه، فلعلَّه أصابَ صغيرةً ظَنَّهَا كبيرةً تُوجبُ الحدَّ، فلم يَكْشِفْهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأن موجبَ الحَدِّ لا يثبتُ بالاحتمالِ. وإنما لم يَسْتَفْسِرْهُ إما لأنَّ ذلك قد يدخلُ في التَّجْسِيسِ المنهيِّ عنه وإما إيثارًا للستر، ورأى أن في تعرضه لإقامةِ الحَدِّ عليه نَدمًا ورجوعًا، وقدِ اسْتَحَبَّ العلماءُ تلقينَ مَن أقرَّ بموجبِ الحدِّ بالرجوعِ عنه إمَّا بالتعريضِ وإمَّا بأوضح منه لِيَدْرَأَ عنه الحَدَّ.

وجزمَ النوويُّ وجماعةٌ أنَّ الذنبَ الذي فَعَلَهُ كان منَ الصغائِرِ، بدليلِ أن في بقيةِ الخبرِ أنه كَفَّرَتْهُ الصَّلَاةُ بناءً على أن الذي تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ منَ الذنوبِ الصغائر لا الكبائر. وهذا هو الأكثرُ الأغلبُ، وقد تُكَفِّرُ الصَّلَاةُ بعضَ الكبائرِ كمن كَثُرَ تَطَوُّعُهُ مثلًا بحيثُ صلح لأن يُكَفِّرَ عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ الصَّغَائِرِ ولم يكنْ عليه من الصغائرِ شيءٌ أصلًا أو شيءٌ يسيرٌ وعليه كبيرةٌ واحدةٌ مثلًا فإنها تُكَفِّرُ عنه ذلك؛ لأن اللهَ لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملًا)) (فتح الباري ١٢/ ١٣٤).