ولذا قال الترمذيُّ:"ورواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره، عن سفيان، عن محارب بن دثار، عن سليمان بن بريدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا. وهذا أصحُّ من حديث وكيع"(الجامع ١/ ٨٩).
ولكن تعقبه الشيخ أحمد شاكر فقال:"وخلاصة البحث فيما تعرَّضَ له الترمذيُّ من أسانيد هذا الحديث- أن سفيان الثوري رواه عن شيخين: أحدهما علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه مرفوعًا موصولًا، وهذا لم يختلف فيه الرواة عن الثوري أنه موصول، والشيخ الثاني للثوري: محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة، ولكن الرواة عن الثوري اختلفوا فيه؛ فبعضُهم يقول: "عن سليمان بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وهذا مرسلٌ؛ لأن سليمانَ ليسَ صحابيًّا، وبعضُهم يقول: "عن سليمان بن بريدة عن أبيه مرفوعًا"، وهذا متصلٌ، والذي رواه عن الثوري هكذا هو وكيعٌ، وروايتُهُ عند ابن ماجه كما قلنا آنفًا، وهذه الرواية جعلها الترمذيُّ مرجوحةً، ورأى أن روايةَ من رواه عن الثوري عن محارب عن سليمان مرسلًا أصح. ولسنا نوافقه على ذلك؛ لأن الحديث معروف عن سليمان عن أبيه، ووكيعٌ ثقةٌ حافظٌ، فالظاهرُ أن الثوريَّ كان تارة يَروي الحديثَ عن محارب موصولًا، كما رواه عنه وكيعٌ، وتارة مرسلًا، كما رواه عنه غيره"(تحقيق سنن الترمذي).
قلنا: كلام الشيخ أبي الأشبال له وجهة، ولكن الترمذي لم ينفرد في إعلاله لرواية محارب بالإرسال، فقد سبقه إلى ذلك جماعة، وفي مقدمتهم أوثق الناس في سفيان يحيى بن سعيد القطان، وقد بَيَّنَ هو نفسُهُ أن الحديثَ مرسلٌ كما تقدم في نقل أحمد في العلل.
وقال أبو زرعة -بعد ذكر مخالفة أبي نعيم لوكيع-: "حديثُ أبي نُعيمٍ أصحُّ"