للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والخاص مقدم على العام. والله أعلم" (شرح صحيح مسلم ٤/ ٤٩).

وقال ابن القيم: "ومن العجب معارضة هذه الأحاديث بحديث جابر: (كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) ولا تعارض بينهما أصلًا! !

فإن حديث جابر هذا إنما يدل على أن كونه ممسوسًا بالنار ليس جهة من جهات نقض الوضوء. ومَن نازعكم في هذا؟ ! نعم، هذا يصلح أن يحتجوا به على من يوجب الوضوء مما مست النار، على صعوبة تقرير دلالته.

وأما مَن يجعل كون اللحم لحم إبل هو الموجب للوضوء سواء مسته النار أم لم تمسه، فيوجب الوضوء من نيئه ومطبوخه وقديده، فكيف يحتج عليه بهذا الحديث؟ !

وحتى لو كان لحم الإبل فردًا من أفراده، فإنما تكون دلالته بطريق العموم، فكيف يُقَدَّم على الخاص؟ ! هذا مع أن العموم لم يُستفَد ضمنًا من كلام صاحب الشرع، وإنما هو من قول الراوي.

وأيضًا: فأبين من هذا كله أنه لم يَحْكِ لفظًا لا خاصًّا ولا عامًّا؛ وإنما حكى أمرين هما فعلان: أحدهما متقدم وهو فعل الوضوء. والآخر متأخر، وهو تركه من ممسوس النار. فهاتان واقعتان، توضأ في إحداهما، وتَرَك في الأخرى من شيء معين مسته النار، لم يَحْكِ لفظًا عامًّا ولا خاصًّا يُنسخ به اللفظ الصريح الصحيح.

وأيضًا: فإن الحديث قد جاء مثبتًا من رواية جابر نفسه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دُعِي إلى طعام فأكل، ثم حضرت الظهر فقام وتوضأ وصلى، ثم أكل فحضرت العصر فقام فصلى ولم يتوضأ. فكان آخِر الأمرين من رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم