للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوْعُ السَّادِسَ عَشَرَ: تَعْيِينُ مِقْدَارٍ مِنْ التَّعْزِيرَاتِ إذَا رُفِعَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ قَبْلَ التَّنْفِيذِ فَرَأَى خِلَافَ ذَلِكَ، فَلَهُ تَعْيِينُ مِقْدَارِهِ، وَإِبْطَالُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ بَلْ اجْتِهَادٌ فِي سَبَبٍ هُوَ الْجِنَايَةُ، فَإِذَا ظَهَرَ لِلثَّانِي أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَهُ الْحُكْمُ بِمَا يَرَاهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَعْيِين الْأُسَارَى لِلرِّقِّ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْأُسَارَى يُقْتَلُونَ فَقَطْ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ، فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا فَهُوَ حُكْمٌ مِنْهُ بِاَلَّذِي اخْتَارَهُ، وَهُوَ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ خَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ الْخَمْسِ الَّتِي يُخَيَّرُ فِيهَا الْإِمَامُ بَيْنَ الْأَسْرِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَالْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، فَاخْتِيَارُهُ لِخَصْلَةٍ مِنْ ذَلِكَ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، بِخِلَافِ مَقَادِيرِ التَّعْزِيرَاتِ لَيْسَ فِيهَا خِلَافٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الْقَائِلِ وَالْمَقُولِ فِيهِ وَالْقَوْلِ، أَوْ وَقَعَ مِنْهُ فِعْلٌ فَالتَّعْزِيرَاتُ بِحَسَبِ عِظَمِهِ وَحَقَارَتِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ لِخَصْلَةٍ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِينَ إنْ وَجَدَ مِنْ الْمُحَارِبِينَ الْقَتْلَ، وَعَيَّنَ الْإِمَامُ الْقَتْلَ فَلَيْسَ ذَلِكَ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ. أَمَّا إذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ الْقَتْلَ فِي مُحَارِبٍ لَمْ يُقْتَلْ بَلْ عَيَّنَ الْقَتْلَ لِعِظَمِ رَأْيِهِ وَدَهَائِهِ، وَإِنَّ قَتْلَهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ، فَالشَّافِعِيُّ يَمْنَعُ قَتْلَ الْمُحَارِبِ إلَّا إذَا قَتَلَ، وَلَا يَقْطَعُهُ إلَّا إذَا قَطَعَ، فَتَصِيرُ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْأُسَارَى فَتَتَعَيَّنُ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ عُقُوبَةِ الْمُحَارِبِ، وَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ، وَكَذَلِكَ تَعْيِينُ أَرْضِ الْعَنْوَةِ لِلْبَيْعِ أَوْ الْقَسْمِ أَوْ الْوَقْفِ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ.

النَّوْعُ السَّابِعَ عَشَرَ: الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْجُنَاةِ وَرَدْعِ الطُّغَاةِ إذَا لَمْ يَنْفُذْ، لَيْسَ هُوَ إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي تَحْقِيقِ سَبَبِهِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفًا فِيهَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَقَتْلِ الزَّنَادِقَةِ، فَإِنَّهُ إذَا عَيَّنَ الْقَتْلَ، وَحَكَمَ بِهِ كَانَ هَذَا إنْشَاءُ حُكْمٍ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ بِخِلَافِ قِتَالِ الْبُغَاةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

النَّوْعُ الثَّامِنَ عَشَرَ: عَقْدُ الصُّلْحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لَيْسَ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، بَلْ جَوَازُهُ عِنْدَ سَبَبِهِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ إنَّمَا هُوَ الْتِزَامٌ لِكِفَايَةِ الشَّرِّ حَالَةَ الضَّعْفِ، وَلِغَيْرِهِ بَعْدَهُ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ السَّبَبُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَيُبْقِيَهُ أَوْ لَا فَيَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>