وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُدُّوا الْقَضَاءَ بَيْنَ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَتَّى يَصْطَلِحُوا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ وَرِيثُ الضَّغَائِنِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَفْسَخُ فِي مُلَازَمَةِ الْخَصْمَيْنِ إذَا وَضَحَتْ أَمَارَاتُ التَّجَاحُدِ وَالْكِتَابِ، فَعِنْدَنَا أَنَّهُ يُؤَدِّيهِمَا عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يَسْمَعُ شَهَادَاتِ الْمَسْتُورِينَ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُهَا أَيْضًا فِي مَوَاطِنَ عَدِيدَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ التَّوَسُّمِ، وَفِي بَابِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ الْعُدُولِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يُحَلِّفُ الشُّهُودَ إذَا ارْتَابَ مِنْهُمْ فَقَدْ فَعَلَهُ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنُ بَشِيرٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ، حَلَّفَ شُهُودًا فِي تَرِكَةٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ لَحَقٌّ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرَى لِفَسَادِ الزَّمَانِ أَنْ يُحَلِّفَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ، وَابْنُ وَضَّاحٍ مِمَّنْ أَخَذَ عَنْ سَحْنُونٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَسْتَدْعِي الشُّهُودَ وَيَسْأَلُهُمْ عَمَّا عِنْدَهُمْ، فَعِنْدَنَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ ذَكَرْتهَا فِي السِّيَاسَةِ فِي الشَّهَادَاتِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ لَيْسَ هُوَ مَذْهَبَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[فَصْلٌ الْفَرْق بَيْنَ نَظَرِ الْقَاضِي وَنَظَرِ وَالِي الْجَرَائِمِ]
فَصْلٌ: وَقَالَ الْقَرَافِيُّ أَيْضًا فِي الذَّخِيرَةِ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ، فِي الْفَرْقِ بَيْنَ نَظَرِ الْقَاضِي وَنَظَرِ وَالِي الْجَرَائِمِ، قَالَ: وَيَمْتَازُ وَالِي الْجَرَائِمِ عَلَى الْقُضَاةِ بِتِسْعَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: سَمَاعُ قَذْفِ الْمَتْهُومِ مِنْ أَعْوَانِ الْأَمَارَاتِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى الْمُعْتَبَرَةِ، وَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ التُّهْمَةِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ نَزَّهُوهُ أَطْلَقَهُ أَوْ قَذَفُوهُ بَالَغَ فِي الْكَشْفِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يُرَاعِي شَوَاهِدَ الْحَالِ وَأَوْصَافَ التَّهَوُّمِ فِي قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَضَعْفِهَا، بِأَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ بِالزِّنَا مُتَصَنِّعًا لِلنِّسَاءِ فَتَقْوَى التُّهْمَةُ، أَوْ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ وَفِيهِ آثَارُ ضَرْبٍ مَعَ قُوَّةِ بَدَنٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الدَّعَارَةِ فَتَقْوَى أَوْ لَا يَكُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَيَخِفُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْقَضَاءِ.
الثَّالِثُ: تَعْجِيلُ حَبْسِ الْمَتْهُومِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ وَمُدَّتُهُ شَهْرٌ، أَوْ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ بِخِلَافِ الْقُضَاةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute