للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْجِرَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَسَائِلِ اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ، وَنَذْكُرُ هُنَا بَعْضَ مَسَائِلِ التَّدْمِيَةِ وَالدَّعَاوَى فِي هَذَا الْبَابِ.

مَسْأَلَةٌ: وَفِي الطُّرَرِ: وَإِذَا أَدْمَى الرَّجُلُ عَلَى جَمَاعَةٍ سُجِنُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ عَلَى مَنْ يُقْسَمُ مِنْهُمْ وَلَا يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْسِمُوا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ وَيَقْتُلُونَهُ، مَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا ثُمَّ يَتَخَيَّرُوا، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُمْ: احْلِفُوا عَلَى مَنْ شِئْتُمْ وَاقْتُلُوهُ، وَيُضْرَبُ الْآخَرُونَ مِائَةً كُلَّ وَاحِدٍ وَيُسْجَنُونَ عَامًا إذَا مَاتَ الْمَقْتُولُ مُطْلَقِينَ مِنْ غَيْرِ حَدِيدٍ.

وَرُوِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُمْ يَقْسِمُونَ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَا يَقْتُلُونَ إلَّا وَاحِدًا يَخْتَارُونَهُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ السِّجْنُ عُقُوبَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ عَنْهُ الْقَتْلُ، حَلَّتْ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ وَوَجَبَ سِجْنُهُ عَامًا، فَإِنْ كَانَ جَرِيحًا أَوْ مَرِيضًا سُجِنُوا مُحَدَّدِينَ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ: لَا بُدَّ لِلْمَسْجُونِ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَدِيدِ حَتَّى يَرَى مَا يَكُونُ، فَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ لِعَفْوٍ وَقَسَامَةٍ عَلَى غَيْرِهِ، أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ الْحَدِيدِ وَضَرَبَهُ مِائَةً وَسَجَنَهُ عَامًا مُسْتَقْبِلًا مِنْ غَيْرِ حَدِيدٍ، وَكَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ.

مَسْأَلَةٌ: وَفِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ مُزَيْنٍ فِي الْمَرْأَةِ تُدْمِي عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْقَوَدُ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ فِيمَا أَذِنَ اللَّهُ أَنْ يَضْرِبَهَا فِيهِ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: ٣٤] وَقَدْ يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: ١٥] ، فَلَمَّا أُبِيحَ لَهُ ضَرْبُهَا فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَهَا فِيهِ، سَقَطَتْ مِنْهُ تَدْمِيَتُهَا؛ لِأَنَّ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تُدْمَى بِهِ قَدْ يَكُونُ أَصْلُهُ الضَّرْبَ الَّذِي أَجَازَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْقَوَدُ مِنْ أَجَلِّ الْحُدُودِ، وَلَا يُقَامُ الْقَوَدُ وَالْحُدُودُ إلَّا بِأَمْرٍ بَيِّنٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ، قَالَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ وَهَذَا الَّذِي عَلِمْنَاهُ مِنْ مَشَايِخِنَا الَّذِي حَمَلْنَا عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ.

فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَدْ أَجَازَ اللَّهُ تَعَالَى لِلرِّجَالِ ضَرْبَ نِسَائِهِمْ عِنْدَ النُّشُوزِ، فَإِذَا أَصَابَ إحْدَاهُنَّ مِنْ ضَرْبِ زَوْجِهَا فَقْءُ عَيْنٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>