للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخُلَفَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَامِلُونَ الرَّجُلَ عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرِ جِنَايَتِهِ مِنْهُمْ مَنْ يُضْرَبُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَامُ وَاقِفًا عَلَى قَدَمَيْهِ فِي الْمَحَافِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تُنْزَعُ عِمَامَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَلُّ إزَارُهُ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّ التَّعْزِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ، فَرُبَّ تَعْزِيرٍ فِي بَلَدٍ يَكُونُ إكْرَامًا فِي بَلَدٍ آخَرَ، كَقَطْعِ الطَّيْلَسَانِ لَيْسَ تَعْزِيرًا فِي الشَّامِ فَإِنَّهُ إكْرَامٌ، وَكَشْفُ الرَّأْسِ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِ لَيْسَ هَوَانًا، وَبِمِصْرِ وَالْعِرَاقِ هَوَانٌ، اُنْظُرْ الْفَرْقَ السَّادِسَ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الشَّامِ، يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنْ أَلِفَ ذَلِكَ وَكَانَتْ عَادَتُهُ الطَّيْلَسَانُ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.

[فَصْلٌ التَّعْزِيرُ لَا يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ وَلَا قَوْلٍ مُعَيَّنٍ]

فَصْلٌ وَالتَّعْزِيرُ لَا يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ وَلَا قَوْلٍ مُعَيَّنٍ، فَقَدْ عَزَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْهَجْرِ، وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَهُجِرُوا خَمْسِينَ يَوْمًا لَا يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ، وَقَضِيَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصِّحَاحِ، وَعَزَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّفْيِ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَفْيِهِمْ، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ، وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِمَّا قَالَ بِبَعْضِهِ أَصْحَابُنَا، وَبَعْضِهِ خَارِجُ الْمَذْهَبِ.

فَمِنْهَا: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَجْرِ صَبِيغٍ الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَغَيْرِهَا، وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالتَّفَقُّدِ عَنْ الْمُشْكِلَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْ الْكُوفَةِ، وَأَمَرَ بِهَجْرِهِ فَكَانَ لَا يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَابَ، وَكَتَبَ عَامِلُ الْبَلَدِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُخْبِرُهُ بِتَوْبَتِهِ، فَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي كَلَامِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَلَقَ رَأْسَ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، لَمَّا شَبَّبَ النِّسَاءُ بِهِ فِي الْأَشْعَارِ وَخَشِيَ الْفِتْنَةَ بِهِ.

وَمِنْهَا: مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُرَنِيِّينَ.

وَمِنْهَا: «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ نَاقَتَهَا إنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهَا» .

وَمِنْهَا: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي رَجُلٍ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَأَشَارُوا بِحَرْقِهِ فِي النَّارِ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>