[الْبَابُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْقَضَاءِ بِمُشَافَهَةِ الْقَاضِي لِلْقَاضِي]
وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بِمَا شَافَهَهُ بِهِ حَاكِمٌ آخَرُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْقَاضِيَانِ بِبَلَدٍ وَاحِدٍ، فَيُشَافِهَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةٍ أَوْ حُكْمٍ، فَيَحْكُمَ الْآخَرُ بِذَلِكَ أَوْ يُنَفِّذَ الْحُكْمَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ قَلِيلُ الْجَدْوَى، لِأَنَّهُ إذَا اتَّحَدَ الْبَلَدُ تَمَّمَ الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ مَا أَرَادَ إنْهَاءَهُ إلَى الثَّانِي، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَعْرِضَ الْأَوَّلَ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ وَشَبَهِهِ مِمَّا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّمَامِ.
الثَّانِي: أَنْ يَمْتَازَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي طَرَفِ عَمَلِهِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرَفِ عَمَلِهِ فَأَنْهَى أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ مُشَافَهَةً مَا يُرِيدُ إنْهَاءَهُ إلَيْهِ، فَيَلْزَمُ الْآخَرَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ وَذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ.
فَرْعٌ: فَلَوْ كَانَ الْمَنْهِيُّ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي هُوَ وَالٍ عَلَيْهَا، فَأَنْهَى إلَى قَاضِيهَا شَيْئًا لَمْ يَسْمَعْ قَاضِي الْجِهَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ.
وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْأَصْبَغِ بْنُ سَهْلٍ: وَرَأَيْت فُقَهَاءَ طُلَيْطِلَة يُجِيزُونَ إخْبَارَ الْقَاضِي الْمُخْتَلِّ بِذَلِكَ الْبَلَدِ قَاضِيَ الْبَلَدِ بِهِ، وَيُنَفِّذُ وَيَرَوْنَهُ كَمُخَاطَبَتِهِ إيَّاهُ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَفِي كِتَابِ مِنْهَاجِ الْقَضَاءِ لِابْنِ حَبِيبٍ وَسَأَلْت أَصْبَغَ عَنْ الْقَاضِي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ إلَى بَعْضِ الْأَمْصَارِ فِي شَيْءٍ نَابَهُ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ، فَيَأْتِيهِ رَجُلٌ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ بِبَيِّنَةٍ وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ وَيَذْكُرُ أَنَّ لَهُ حَقًّا قِبَلَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ وَهُوَ غَائِبٌ بِعَمَلِهِ، وَيَذْكُرُ أَنَّ شُهُودَهُ بِهَذَا الْمِصْرِ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمْ أَيُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا، قَالَ: نَعَمْ يَسْمَعُ مِنْ بَيِّنَتِهِ وَيَرْفَعُ شَهَادَتَهُمْ وَيَسْأَلُهُ تَعْدِيلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ سَأَلَهُ قَاضِي ذَلِكَ الْمِصْرِ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْهُمْ بِعَدَالَةٍ اجْتَزَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute