للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: رُجُوعُ الشُّهُودِ عَنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ أَدَائِهَا وَقَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا، وَاعْتَرَفُوا بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَأَنَّهُمْ تَابُوا، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ لَا تُوجِبُ شَيْئًا، وَفِي تَأْدِيبِهِمْ خِلَافٌ، وَأَمَّا لَوْ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا إمَّا فِي مَالٍ أَوْ فِي نَفْسٍ أَوْ حَدٍّ مِنْ قَطْعٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ شَتْمٍ، فَإِنْ أَخْبَرُوا عَنْ غَلَطٍ غَرِمُوا الْمَالَ وَدِيَةَ الْمُتْلَفِ، وَإِنْ أَخْبَرُوا عَنْ تَعَمُّدِ كَذِبٍ غَرِمُوا الْمَالَ. وَاخْتُلِفَ فِي إلْزَامِ الْقِصَاصِ فِي الْمُتْلَفِ بِالْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ الدِّيَةِ وَلِذَلِكَ مَحَلٌّ مَذْكُورٌ فِيهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ الْأَدَبِ.

[فَصْلٌ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا تُوجِبُ شَيْئًا أَصْلًا]

فَصْلٌ: وَأَمَّا الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا تُوجِبُ شَيْئًا أَصْلًا، فَكَشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ، وَلَا تُؤَثِّرُ شَهَادَتُهُنَّ فِيهِ شَيْئًا، كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِثْلُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي غَيْرِ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ عَلَى مَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي بَابِهِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي صِفَاتِ الشَّاهِدِ وَذِكْرِ مَوَانِعِ الْقَبُولِ]

وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّبْرِيزُ فِي الْعَدَالَةِ وَفِيهِ فَصْلَانِ: الْأَوَّلُ: فِي فَضْلِ الشَّاهِدِ وَصِفَتِهِ، وَقَدْ نَطَقَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ بِفَضْلِ الشَّهَادَةِ، وَرَفَعَهَا وَنَسَبَهَا تَعَالَى إلَى نَفْسِهِ، وَشَرَّفَ بِهَا مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَفَاضِلَ خَلْقِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: ١٦٦] .

وَقَالَ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: ٤١] ؟ فَجَعَلَ كُلَّ نَبِيٍّ شَهِيدًا عَلَى أُمَّتِهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ خَلْقِهِ فِي عَصْرِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: ١٨] وَيَكْفِي بِالشَّهَادَةِ شَرَفًا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَفَضَ الْفَاسِقَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَرَفَعَ الْعَدْلَ بِقَبُولِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>