للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِإِقْرَارِهِ بَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ، فَإِنْ ادَّعَى الْإِكْرَاهَ عَلَى الْإِقْرَارِ مَثَلًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ خَصْمِهِ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْإِكْرَاهِ، فَإِنَّ النَّصَّ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، وَكَذَا مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ وَلْنَرْجِعْ إلَى مَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَغَايَرَا مِنْ وَجْهٍ كَمَا تَقُولُ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ التَّغَايُرِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ قُلْنَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَضَاءَ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْمُسْتَنَدِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِنْفَاذِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَغَايَرَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَذَا، وَقَضَى بِهِ وَأَلْزَمَ. اهـ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ سِرَاجِ الدِّينِ الْبُلْقِينِيِّ - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ -.

[فَصْلٌ فِيمَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ]

قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ كَمَا يَدُلُّ الْقَوْلُ عَلَى الْحُكْمِ فِي قَوْلِ الْحَاكِمِ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي حَكَمْت بِكَذَا، فَكَذَلِكَ الْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ أَيْضًا، وَذَلِكَ إذَا كَتَبَ الْحَاكِمُ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ أَنِّي قَدْ حَكَمْت بِكَذَا، فَهَذِهِ الْكِتَابَةُ تَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ كَمَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ لَوْ سُئِلَ هَلْ حَكَمْت بِكَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ وَيُفْهَمُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبَ الْحُكْمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَضْمُونِهِ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى صُدُورِ الْحُكْمِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ أَمْرٌ نَفْسَانِيٌّ لَا لِسَانِيٌّ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يُخْبِرُ عَنْهُ الْقَوْلَ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ وَتَارَةً بِالْإِشَارَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ قَوْلِهِ وَكِتَابَتِهِ وَإِشَارَتِهِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأُمُورُ دَالَّةٌ عَلَى الْحُكْمِ كَسَائِرِ مَا يَقُومُ بِالنَّفْسِ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَغَيْرِهِمَا.

[فَصْلٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ أَمْرٌ قَائِمٌ بِالنَّفْسِ لَا بِاللِّسَانِ]

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ أَمْرٌ قَائِمٌ بِالنَّفْسِ لَا بِاللِّسَانِ، أَنَّهُ قَدْ يَقْتَرِنُ إنْشَاءُ الْحُكْمِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُوَافِقُ إنْشَاءُ الْحُكْمِ وَقْتَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ سِنِينَ كَثِيرَةً بِأَنْ يَحْكُمَ فِي شَيْءٍ وَلَا يُشْهِدُ بِالْحُكْمِ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي نَفْسِهِ قَائِمٌ بِذَاتِهِ مِنْ كَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ لَا اللِّسَانِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>