للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيِّنَتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَرَاهُ حَسَنًا، وَيُشْهِدُ فِي كِتَابِهِ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُ فَيُشْهِدُ لَهُ أَنَّهُ أَنْفَذَهُ إنْفَاذًا كَالْقَاضِي الْأَوَّلِ، قَالَ لَا يُشْهِدُ أَنَّهُ أَنْفَذَهُ، إنَّمَا يُشْهِدُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الْقَاضِيَ فُلَانًا حَكَمَ بِمَا فِيهِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا يَتَدَبَّرُهُ، وَيَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ قَدْ أَصَابَ وَجْهَ الْقَضَاءِ فِيمَا تَبَيَّنَ لَهُ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ بَيِّنَتِهِ عِنْدَهُ، إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ عِنْدَهُ خُصُومَةً مُبْتَدَأَةً، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ وَجَدَ فِي قَضَاءِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِرَأْيِهِ وَهُوَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُ الْقَضَاءِ بِهِ، قَالَ لَا يَنْظُرُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَ نَقْلُهُمَا عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي مَعْنَى تَنْفِيذِ الْحُكْمِ، قِيلَ لِأَصْبَغَ: وَكَيْفَ يَنْظُرُ لَهُ فِي كِتَابِهِ وَيُحْيِيهِ لَهُ وَهُوَ لَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ فِيهِ، قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ حُجَّةَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، فَمَتَى قَامَ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ. أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ عَبْدًا أَتَى إلَى السُّلْطَانِ فَزَعَمَ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَقَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَسَيِّدُهُ مُقِرٌّ لَهُ بِالْعِتْقِ، غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ سَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ مِنْ بَيِّنَتِهِ وَيُحْيِيَ لَهُ عِتْقَهُ وَيُكْثِرَ لَهُ مِنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ؛ لِيَكُونَ إحْيَاءً لِلْعِتْقِ وَتَوْثِيقًا لِلْحُرِّيَّةِ، أَمَا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَهُوَ مِثْلُهُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ (الْمُقْنِعِ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْيِيهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

فَصْلٌ وَمِنْ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَرْضًا بِالصَّحْرَاءِ وَتَنَازَعَا فِيهَا، ثُمَّ أَتَيَا الْحَاكِمَ فَتَدَاعَيَا فِيهَا، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَلَا يَشْهَدُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ لِفُلَانٍ، وَلَكِنْ يَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِكَذَا، وَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِهَا، وَلَا يُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ فِيهَا بِقَضَاءٍ، حَتَّى تَقُومَ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

[فَصْلٌ فِيمَا إذَا ابْتَاعَ رَجُلٌ دَارًا مِنْ رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ]

وَمِنْ ذَلِكَ إذَا ابْتَاعَ رَجُلٌ دَارًا مِنْ رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ وَثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةُ بِالِاشْتِرَاءِ، فَلَا يَكْتُبُ لَهُمْ الْقَاضِي كِتَابَ حُكْمٍ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ بَيِّنَتَهُ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا يَعْرِفُونَهُ فِي مِلْكِهِ (مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ) فِي بَابِ (الْقِسْمَةِ) .

نَوْعٌ مِنْهُ: قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا عَزَلَ الْوَصِيَّ لِأَمْرٍ كَرِهَهُ أَوْ لِعُذْرٍ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بَرَاءَةً مِمَّا جَرَى عَلَى يَدَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، مِمَّا زَعَمَ أَنَّهُ أَنْفَقَهُ عَلَى الْيَتِيمِ، وَإِنْ أَتَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَتِيمُ مَبْلَغَ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ إنْ أَخَذَ مِنْهُ مَالًا عِنْدَ الْعَزْلِ كَتَبَ لَهُ مِنْهُ بَرَاءَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>