للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا تُصَدِّقُهُ الْعَادَةُ مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ سِلْعَةً مُعَيَّنَةً بِيَدِ رَجُلٍ، أَوْ يَدَّعِيَ غَرِيبٌ وَدِيعَةً عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ، أَوْ يَدَّعِيَ مُسَافِرٌ أَنَّهُ أَوْدَعَ أَحَدَ رُفْقَتِهِ وَكَالْمُدَّعِي عَلَى صَانِعٍ مُنْتَصِبٍ لِلْعَمَلِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مَتَاعًا يَصْنَعُهُ لَهُ، وَكَالْمُدَّعِي عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ الْمُنْتَصِبِينَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ أَوْ اشْتَرَى، وَكَالرَّجُلِ يَذْكُرُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا قِبَلَ رَجُلٍ وَأَوْصَى أَنْ يُتَقَاضَى مِنْهُ فَيُنْكِرَهُ الْمَطْلُوبُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَهَذِهِ الدَّعْوَى مَسْمُوعَةٌ مِنْ مُدَّعِيهَا، وَيُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُطَابَقَتِهَا، أَوْ يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِي اسْتِحْلَافِهِ إلَى إثْبَاتِ خُلْطَةٍ.

النَّوْع الثَّالِث: وَهُوَ مَا لَا تَقْضِي الْعَادَةُ بِصِدْقِهِ وَلَا بِكَذِبِهِ، مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ دِينًا فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ، أَوْ يَدَّعِيَ مُعَامَلَةً، فَهَذِهِ الدَّعْوَى أَيْضًا مَسْمُوعَةٌ مِنْ مُدَّعِيهَا وَيُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُطَابَقَتِهَا، فَأَمَّا اسْتِحْلَافُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخُلْطَةِ بَيْنَهُمَا وَسَيَأْتِي ذَلِكَ.

[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ تَصْحِيحِ الدَّعْوَى]

وَالْمُدَّعَى بِهِ أَنْوَاعٌ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَعْيَانِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَصْحِيحُ الدَّعْوَى أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَدَّعِي وَيَذْكُرَ أَنَّهُ فِي يَدِ الْمَطْلُوبِ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ أَوْ الْعَدَاءِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُدَّعِي أَنْ يَسْأَلَ الْحَاكِمَ النَّظَرَ بَيْنَهُمَا بِمَا يُوجِبُهُ الشَّرْعُ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: إذَا نَقَصَ الْمُدَّعِي مِنْ دَعْوَاهُ مَا فِيهِ بَيَانُ مَطْلَبِهِ أَمَرَهُ بِتَمَامِهِ، وَإِنْ أَتَى بِإِشْكَالٍ أَمَرَهُ بِبَيَانِهِ فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْحَاكِمُ الْمَطْلُوبَ عَنْهَا.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ كَالْحَاضِرِ فَيَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ الْحَقَّ وَمِقْدَارَهُ وَجِنْسَهُ، وَكَوْنَ الْبَيِّنَةِ تَشْهَدُ بِهِ وَيُفَصِّلُ فِي الدَّعْوَى عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ فِي دَعْوَى الْحَاضِرِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَنَا مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ أَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ عِنْدَهُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ، وَأَنَّ الْغَائِبَ مُنْكِرٌ لِحَقِّهِ، وَمَتَى ذَكَرَ أَنَّهُ مُقِرٌّ لَمْ يَقْضِ لَهُ عَلَيْهِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُطْلَبُ لِإِظْهَارِ مَا خَفِيَ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقِرًّا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَإِنْ شَهِدَتْ لَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ مَوْقِعَهَا.

وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ فِي الذِّمَّةِ فَيُبَيِّنُ قَدْرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى ذِكْرِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بَلْ يَذْكُرُ أَنَّهُ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ سَلَمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي دَارٍ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>