للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ ثُمَّ لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خُصُومَةٌ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُرَدُّ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَتِهِ فَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى تَزَوَّجَهَا، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ مَاضِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ وَالزَّوْجِيَّةَ إنَّمَا حَدَثَتَا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلِذَلِكَ كَانَتْ مَاضِيَةً، وَفِي الْمُقْنِعِ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى.

[الْفَصْلُ الْعَاشِرُ فِي صِفَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ]

وَاللَّفْظُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَتَيْنِ: اعْلَمْ أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ، فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْحَاكِمِ: أَنَا أُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِأَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا عَنْ يَقِينٍ، فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الْوَعْدِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا، كَانَ كَاذِبًا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَقَدُّمُ الْإِخْبَارِ مِنْهُ، وَلَمْ يَقَعْ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْكَذِبِ لَا يَجُوزُ، فَالْمُسْتَقْبَلُ وَعْدٌ وَالْمَاضِي كَذِبٌ وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُقْتَضِي لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ: أَنَا مُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اتِّصَافِهِ بِالْخَبَرِ لِلْقَاضِي وَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ، فَالْخَبَرُ كَيْفَ تَصَرَّفَ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ؟ فَقَالَ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا، أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا، أَوْ شَهِدْت بَيْنَهُمَا بِصُدُورِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ، لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَدَاءَ شَهَادَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ اعْتِمَادٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا مُخْبِرٌ عَنْ أَمْرٍ تَقَدَّمَ.

فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَانِعٍ مِنْ الشَّهَادَةِ بِهِ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ حُدُوثِ رِيبَةٍ لِلشَّاهِدِ تَمْنَعُ الْأَدَاءَ، فَلَا يَجُوزُ لِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الِاعْتِمَادُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إذَا صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا، وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، فَإِذَا قَالَ الشَّاهِدُ: أَشْهَدُ عِنْدَك أَيُّهَا الْقَاضِي كَانَ إنْشَاءً، وَلَوْ قَالَ شَهِدْت لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً، وَعَكْسُهُ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ أَبِيعُك لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ، بَلْ إخْبَارٌ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ بَيْعٌ بَلْ هُوَ وَعْدٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك كَانَ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ، فَالْإِنْشَاءُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمُضَارِعِ وَفِي الْعُقُودِ بِالْمَاضِي، وَاسْمُ الْفَاعِلِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَمْ يَقَعْ الْإِنْشَاءُ فِي الْبَيْعِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَةِ نَحْوُ أَنَا شَاهِدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>