للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ أَهْلِ الزُّقَاقِ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ.

الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَهُ مَا لَمْ يُقَابِلْ بَابَ جَارِهِ وَلَا قَرُبَ مِنْهُ، بِحَيْثُ يَقْطَعُ بِهِ مِرْفَقًا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ.

الثَّالِثُ: أَنَّ لَهُ تَحْوِيلَ بَابِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إذْ سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهِ بَابًا مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.

تَنْبِيهٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: قَالَ ابْنُ زَرْبٍ، وَإِذَا سُدَّ بَابٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يَكُونُ سَدُّهُ تَغْلِيقَهُ وَتَسْمِيرَهُ، وَلَكِنْ يُقْلَعُ الْبَابُ وَعَضَائِدُهُ وَعَتَبَتُهُ وَتُغَيَّرُ آثَارُهُ، لِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ وَسَدَّهُ بِالطُّوبِ وَبِقَلْبِ الْعَضَائِدِ وَالْعَتَبَةِ، كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ بِقُرْطُبَةَ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ يَكُونُ لَهُ شَاهِدًا وَحُجَّةً، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: إنَّمَا سَدَدْته لِأَفْتَحَهُ إذَا شِئْت، فَلِذَلِكَ أَلْزَمُوهُ بِتَغْيِيرِ مَعَالِمِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ.

[فَصْلٌ وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَضَعَ فِي دَارِهِ الْمُكْتَرَاةِ مَا شَاءَ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالدَّوَابِّ]

ِّ وَالْحَيَوَانِ، وَالْحَدَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ضَرَرًا بِالدَّارِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ مُؤَلِّفُ الِاسْتِغْنَاءِ: وَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَنْ يُنَصِّبَ دَارِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصِّنَاعَاتِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِحِيطَانِ جَارِهِ، وَأَمَّا أَنْ يُمْنَعَ مِنْ وَقْعِ ضَرْبٍ أَوْ دَوِيِّ رَحًى أَوْ كَمَدٍّ لِأَجْلِ صَوْتِهِ، فَلَا وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَهُ قَالَ فِي الطُّرَرِ: لِأَنَّ الصَّوْتَ لَا يَخْرِقُ الْأَسْمَاعَ وَلَا يَضُرُّ بِالْأَحْشَاءِ، فَإِنْ أَضَرَّ بِالْجُدْرَانِ مُنِعَ، وَذَلِكَ بِخِلَافِ رَائِحَةِ الدِّبَاغِ أَوْ يَفْتَحُ بِقُرْبِ جَارِهِ مِرْحَاضًا وَلَا يُغَطِّيهِ أَوْ مَا تُؤْذِيهِ رَائِحَتُهُ، لِأَنَّ الرَّائِحَةَ الْمُنَتَّنَةَ تَخْرِقُ الْخَيَاشِيمَ وَتَصِلُ إلَى الْأَمْعَاءِ فَتُؤْذِي الْإِنْسَانَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسَاجِدَنَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ» وَكُلُّ رَائِحَةٍ تُؤْذِي يُمْنَعُ مِنْهَا لِهَذَا قَالَ وَبِهِ الْعَمَلُ.

مَسْأَلَةٌ: وَقَضَى بَعْضُ شُيُوخِ الْفُتْيَا بِمَنْعِ الْكَمَّادِينَ إذَا اسْتَضَرَّ بِهِمْ الْجِيرَانُ وَقَلِقُوا مِنْ ذَلِكَ، لِاجْتِمَاعِ وَقْعِ ضَرْبِهِمْ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>