للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ بَقِيٍّ فِي ذَلِكَ الْفُقَهَاءَ فَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى بَيْعِ هَذِهِ الدَّارِ بِسَبَبِ الْأَبِ الطَّالِبِ لِلنَّفَقَةِ، إذْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَلَا غَيْرِهِمْ، وَلَا نَفَقَةَ لِلْأَبِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ حَيَاةِ الِابْنِ وَمَلَائِهِ، إذْ قَدْ يَكُونُ مَيِّتًا أَوْ مِدْيَانًا. وَلَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ هَذَا الِابْنِ الْغَائِبِ قَبْلَ صِحَّةِ حَيَاتِهِ وَتَيَقُّنِهَا، وَأَنْفَقَ عَلَى الْأَبِ مِنْ ذَلِكَ لَلَزِمَهُ غُرْمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي لَا يُعْذَرُ فِيهِ، وَلَا يُبَاعُ حَظُّ الْغَائِبِ مِنْ الدَّارِ بِوَجْهٍ، وَإِنْ ادَّعَى شَرِيكُهُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ، وَيُقْسَمُ وَيُوقَفُ نَصِيبُ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ مِنْهَا كِرَاءٌ فَيُعْطَى لِلْأَبِ يَرْتَفِقُ بِهِ وَيُكْرَى نَصِيبَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَيُعْطَى لِلْأَبِ عَلَى وَجْهِ السَّلَفِ.

[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ فِي الدَّعْوَى]

مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ لِرَجُلٍ وَلَا لِامْرَأَةٍ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْخِصَامِ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيلٍ كَانَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ فِي نَصِّ التَّوْكِيلِ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ.

مَسْأَلَةٌ: إذَا أَسْقَطَ مِنْ التَّوْكِيلِ ذِكْرَ الْإِقْرَارِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِنْكَارِ عَنْهُ كَانَ تَوْكِيلًا نَاقِصًا، وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ إتْمَامُهُ، عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ.

وَرَأَيْت فُقَهَاءَ طُلَيْطِلَة يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ مَنْ وَكَّلَ عَلَى طَلَبِ حُقُوقِهِ وَالْمُخَاصَمَةِ عَنْهُ فِيهَا وَفِيمَا طُولِبَ بِهِ، وَعَلَّقَ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ وَالْإِنْكَارَ عَنْهُ عَلَى مَا عُهِدَ فِي وَثَائِقِ التَّوْكِيلِ، فَأَقَرَّ الْوَكِيلُ أَنَّ مُوَكِّلَهُ وَهَبَ دَارِهِ لِزَيْدٍ أَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَى الَّذِي وَكَّلَنِي مِائَةُ دِينَارٍ - أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِمُوَكِّلِهِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَتَّابٍ.

وَقَالَ: إنَّمَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ مَعْنَى الْمُخَاصَمَةِ الَّتِي وَكَّلَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا أَنْ يُقِرَّ عَلَيْهِ بِمَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي.

وَقَالَ أَصْبَغُ: يَقْبَلُ الْحَاكِمُ الْوَكَالَةَ وَلَا يَرُدُّهَا، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِيهَا الْإِقْرَارَ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُ الْمُدَافَعَةَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْعَطَّارِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَجْعَلَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ الْإِقْرَارَ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَقَدْ نَزَلَتْ فَقُضِيَ فِيهَا بِأَنْ لَا تُقْبَلَ الْوَكَالَةُ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ مَعَ وَكِيلِهِ لِيُقِرَّ بِمَا يُوقِفُهُ عَلَيْهِ خَصْمُهُ، أَوْ يَكُونَ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ قَرِيبًا مِنْ مَجْلِسِ الْقَاضِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>