يُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَجْحَدُهُ، قَالَ عِيسَى عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُهُ إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ غَيْبَةِ بَيِّنَةٍ، أَوْ كَانَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ فَلَا يَضُرُّهُ إنْكَارُهُ، وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً، فَهَذَا ابْنُ الْقَاسِمِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ كِنَانَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي الْمُقَرَّبِ أَنَّ الْأُصُولَ وَالْحُقُوقَ مُخْتَلِفَانِ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُمْ فِي الدَّارِ، وَرَأَيْت أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَاصِمٍ رَوَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَرْضَ كَالدَّيْنِ لَا تَنْفَعُهُ الْبَيِّنَةُ إنْ نَفَى مِلْكَهُ عَنْهَا، وَأَنَّ ابْنَ نَافِعٍ قَالَ تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ وَالْإِثْبَاتُ فِيهَا وَلَا يَضُرُّهُ الْإِنْكَارُ، رَوَاهُ ابْنُ عَاصِمٍ عَنْهُ أَيْضًا، فَرِوَايَةُ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تُلَائِمُ جَوَابَ الشُّيُوخِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً أَنَّ زَوْجَهَا قَذَفَهَا وَهُوَ مُنْكِرٌ حُرٌّ ثُمَّ إنَّهُ رَجَعَ بَعْدَ جُحُودِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: يُقْبَلُ مِنْهُ رُجُوعُهُ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحُقُوقِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: أَرَدْت السَّتْرَ بِإِنْكَارِي، وَقَالَ غَيْرُهُمَا لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ نَفْسَهُ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَصْلٌ لِمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَجَحَدَهُ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَادَّعَى الْقَضَاءَ، فَعَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ لَا يُمْكِنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ: يُعْتَبَرُ جُحُودُهُ وَيُنْظَرُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ بِجَهْلِهِ أَوْ جَهْلِ مَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَسَطْوَتِهِ، فَرَأَى إنْكَارَهُ أَسْلَمَ لَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَمِمَّا يُعْذَرُ بِهِ أَنْ تَكُونَ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ غَائِبَةً وَيَخْشَى أَنْ لَا يُمْهَلَ إلَى قُدُومِهِمْ، أَوْ كَانُوا مِمَّنْ لَا يُؤْمَنُ تَجْرِيحُهُمْ، فَإِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ هَكَذَا سُمِعَ مِنْهُ دَعْوَى الْقَضَاءِ وَمُكِّنَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
[الْبَابُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ]
فِي الْقَضَاءِ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ الْعَادَةُ غَلَبَةُ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي عَلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ أَوْ بَعْضِهَا، قَالَ الْمَازِرِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَنَقْدُ الْبَلَدِ مُخْتَلِفٌ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَلَوْ كَانَ مَعَ اخْتِلَافِ السِّكَكِ، جَرَتْ عَادَةٌ بِالتَّبَايُعِ بِسِكَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْهَا لَكَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا وَقُضِيَ بِدَفْعِ تِلْكَ السِّكَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْقَمْطِ وَوَجْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute