للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّامِنُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ فِي الْمِلْكِ الْقَدِيمِ، فَمِثَالُ ذَلِكَ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ دَارٌ تُعْرَفُ بِهِ وَبِآبَائِهِ مِنْ قَبْلِهِ، فَيَأْتِي رَجُلٌ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ أَنَّهَا مِلْكُهُ قَدِيمًا، فَيَأْتِي الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى السَّمَاعِ الْفَاشِي، أَنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ بِانْتِقَالِهَا إلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ، بِالشِّرَاءِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ شَهَادَةٌ تُوجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ الدَّارَ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ، دُونَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهَا مِلْكَهُ قَدِيمًا، فَهَذَا وَمِثْلَهُ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إذَا كَانَ شَيْئًا مُتَقَادِمًا، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ الْفَاشِي لِلْمُدَّعِي الطَّالِبِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ لِلَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ حَائِزٌ لَهَا، بِتَقَادُمِ الْعَهْدِ وَمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إذَا قَامَ بِهَا مَنْ لَيْسَ الرِّيعُ فِي يَدِهِ، يُرِيدُ إخْرَاجَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يُؤْخَذُ بِهَا مَا لَيْسَ عَلَيْهِ يَدٌ؟ كَعَفْوِ الْأَرْضِ.

الْفَرْعُ التَّاسِعُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ بِالْوَصِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ عَقِبَ الْأَبْيَاتِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ]

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَبُولُهَا وَإِعْمَالُهَا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ، مَالًا كَانَ أَوْ عُقُوبَةً، وَشَرْطُ صِحَّةِ تَحَمُّلِهَا الْمُوجِبِ لِقَبُولِهَا، أَنْ يَقُولَ شَاهِدُ الْأَصْلِ لِشَاهِدِ الْفَرْعِ: اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَوْ عَلَى أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي بِكَذَا.

وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ: يُشْتَرَطُ فِي اسْتِبَاحَةِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ إذْنُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِي شَهَادَةِ النَّاقِلِينَ عَلَى شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ لِتِلْكَ الشَّهَادَةِ اسْتَحْلَفَهُمَا عَلَى الْقِيَامِ بِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ.

فَرْعٌ فَإِنْ سَمِعَهُ يُخْبِرُ بِأَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَهُ، وَلَمْ يَقُلْ اشْهَدْ عَلَيَّ أَوْ اُنْقُلْ عَنِّي هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَشِبْهَ ذَلِكَ، لَمْ يُنْقَلْ لِمَا عُلِمَ مِنْ عَوَائِدِ النَّاسِ أَنَّ تَحَرُّزَهُمْ فِي الْإِشْهَادِ وَالشَّهَادَةِ أَقْوَى مِنْ تَحَرُّزِهِمْ فِي الْأَخْبَارِ، وَلَوْ كَانَ الْمُتَكَلَّمُ فِي غَايَةِ الْوَرَعِ.

وَفِي الشَّهَادَةِ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِمَا سَمِعَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>