للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ طَالِبُ الْوَدِيعَةِ الَّذِي سَلَّمَهَا بِالْإِشْهَادِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْ الْمُودَعَ عِنْدَهُ لِمَا أُشْهِدَ عَلَيْهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ طَالِبًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُودَعِ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ مَا أُسْلِمَ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ إلَّا بِالْإِشْهَادِ لِيَبْرَأَ مِنْهَا، وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ الدَّفْعِ، فَاجْتَمَعَ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ عَلَى تَصْدِيقِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ دُونَ الْقَابِضِ لَهَا.

مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ إذَا قُبِضَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ قُبِضَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْقِرَاضُ بِغَيْرِ بَيِّنَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ عِنْدَهُ وَقَوْلُ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا يَدُ أَمَانَةٍ وَالْأَمِينُ مُصَدَّقٌ.

فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ مُدَّعِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ، وَإِنَّمَا عُرِضَ لَهُمْ الْمِلْكُ بِسَبَبِ السَّبْيِ بِشَرْطِ الْكُفْرِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ السَّبْيِ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حَوْزُ الْمِلْكِ، فَتَكُونُ دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ حِينَئِذٍ نَاقِلَةً عَنْ الْأَصْلِ فَلَا تُسْمَعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِكَوْنِهِ مُدَّعِيًا وَلِأَنَّ الْعُرْفَ يُكَذِّبُهُ.

فَرْعٌ: وَأَمَّا مُدَّعِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَدَّعِي انْتِقَالَ الثَّابِتِ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمَّا ثَبَتَ صَارَ أَصْلًا، فَمَنْ طَلَبَ الِانْتِقَالَ عَنْهُ فَهُوَ مُدَّعٍ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَأَمَّا إذَا تَجَرَّدَ الْأَصْلُ عَنْ الظَّاهِرِ وَعَنْ الْعُرْفِ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا أَوْ غَصْبًا أَوْ جِنَايَةً فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ يُخَالِفُ الطَّالِبَ وَيَعْضُدُ الْمَطْلُوبَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَالْجِنَايَةِ مِمَّنْ اشْتَهَرَ بِذَلِكَ وَنُسِبَ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُكْشَفُ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالسِّيَاسَةِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ شَاسٍ الْمُدَّعِي هُوَ أَضْعَفُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا.

[فَصْلٌ فِيمَا إذَا تَدَاعَى قَزَّازٌ وَدَبَّاغٌ جِلْدًا]

فَصْلٌ: وَمِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي يَكُونُ الطَّالِبُ فِيهَا مُدَّعًى عَلَيْهِ إذَا تَدَاعَى قَزَّازٌ وَدَبَّاغٌ جِلْدًا فَإِنَّ الدَّبَّاغَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّجُلِ فِيمَا يُشْبِهُ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِيمَا يُشْبِهُ أَنَّهُ لِلنِّسَاءِ. وَمِنْهَا: لَوْ تَدَاعَى قَاضٍ وَجُنْدِيٌّ رُمْحًا كَانَ الْجُنْدِيُّ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا: إذَا تَنَازَعَا عَطَّارٌ وَصَبَّاغٌ مِسْكًا أَوْ صِبْغًا قُدِّمَ الْعَطَّارُ فِي الْمِسْكِ وَالصَّبَّاغُ فِي الصِّبْغِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ التَّرْجِيحُ بِالْعَوَائِدِ وَظَاهِرِ الْأَحْوَالِ وَالْقَرَائِنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>