[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَمْثِلَةِ الْأَقْسَامِ الثَّمَانِيَةِ]
الْأَوَّلُ: حَبْسُ الْجَانِي حَتَّى يَنْظُرَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَمْثِلَتُهُ فِي بَابِ الدَّعْوَى عَلَى الْمُتَّهَمَيْنِ.
الثَّانِي: حَبْسُ الْآبِقِ سَنَةً، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُرَادُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَبْسُ سَنَةٍ، إذَا كَانَ لِلْعَبْدِ صَنْعَةٌ تَقُومُ بِنَفَقَتِهِ أَوْ إمَامٌ عَادِلٌ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا بِيعَ قَبْلَ السَّنَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ حَبْسُهُ سَنَةً هُوَ السُّنَّةُ إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ فَيُبَاعَ، قَالَ مَالِكٌ إذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَبَاعَهُ أَخَذَ مِنْ ثَمَنِهِ النَّفَقَةَ، وَحَبَسَ يُبْطِئُ لِرَبِّهِ وَلَا يُطْلِقُهُ بَعْدَ السَّنَةِ لِئَلَّا يَأْبَقَ ثَانِيَةً، قَالَ سَحْنُونٌ: لَا أَرَى أَنْ يُوقَفَ سَنَةً، بَلْ مَا يَتَبَيَّنُ أَمْرُهُ فِيهِ ثُمَّ يُبَاعُ وَيَكْتُبُ صِفَتَهُ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبُهُ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: هُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّ نَفَقَةَ السَّنَةِ رُبَّمَا أَذْهَبَتْ ثَمَنَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْبِسُهُ حَتَّى يَخَافَ عَلَيْهِ الضَّيَاعَ بَلْ يُخَلِّي سَبِيلَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حَبْسَهُ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ فَلَا يَجِدُهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا حَارَبَ الْآبِقُ فَلَيْسَ لِوَاجِدِهِ عَلَى رَبِّهِ إلَّا مَا أَنْفَقَ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ مَالَهُ، فَمَنْ قَامَ بِحِفْظِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْجُعْلُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَيْسَ شَأْنُهُ أَخْذَ الْجُعْلِ فَلَا جُعْلَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ الْجُعْلُ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا يَحْفَظُ بِهِ مَالَ غَيْرِهِ وَبِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عُدَّ سَفَهًا وَحُجِرَ عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا أَرْسَلَهُ وَاجِدُهُ وَخَافَ عِظَمَ النَّفَقَةِ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ بِإِرْسَالِهِ كَمَا لَوْ أَخَذَ لُقَطَةً فَرَدَّهَا.
وَقَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَرَى أَنْ يُرْسِلَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَبِيعَهُ، فَيَهْلَكُ ثَمَنُهُ أَوْ يَطْرَحُهُ فِي السِّجْنِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يُطْعِمُهُ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْآبِقِ، فَمَرَّةً أَمَرَ وَاجِدَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ كَانَ وَاجِدَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَمَرَّةً نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute