قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ فِي الْحَبْسِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْقُمَاشِ مَا يُمْكِنُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهُ أَخَذَهُ مِنْ عَلَيْهِ قَهْرًا وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ، وَلَا يَحْبِسُهُ تَعْجِيلًا لِرَفْعِ الظُّلْمِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ بِسَبَبِ الْإِمْكَانِ.
تَنْبِيهٌ: وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ عَلَى مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ قَالَ: وَإِذَا ضَرَبَ الْأَجَلَ لِلطَّالِبِ فِي إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ قَبْلَ الْمَطْلُوبِ، فَسَأَلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ كَفِيلًا بِوَجْهِهِ لِأَجْلِ الْخُصُومَةِ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يُحْبَسْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ لِلطَّالِبِ: لَازِمْهُ إنْ شِئْت. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَوْ شَيْئًا مُسْتَهْلَكًا، وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِذَلِكَ الْحَقِّ كَفِيلًا، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَمَا يُوجِبُ اللَّطْخَ وَهُمْ حُضُورٌ، فَإِنَّهُ يُوَكَّلُ بِالْمَطْلُوبِ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّطْخُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمِهِ وَشِبْهِهِ، اُنْظُرْ تَمَامَهَا فِي التَّهْذِيبِ.
سُؤَالٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ: كَيْفَ يُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ؟ وَعَجَزْنَا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ فِي جِنَايَةٍ حَقِيرَةٍ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْعُقُوبَاتِ بِقَدْرِ الْجِنَايَاتِ.
جَوَابُهُ: أَنَّهَا عُقُوبَةٌ صَغِيرَةٌ بِإِزَاءِ جِنَايَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ، فَإِنَّهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ عَاصٍ فَيُقَابَلُ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الِامْتِنَاعِ بِسَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْحَبْسِ، فَهِيَ جِنَايَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ مُتَكَرِّرَةٌ مُتَقَابِلَةٌ، فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَلَمْ يُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ، انْتَهَى.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ، فَإِنَّ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالْإِصْرَارُ عَلَى الظُّلْمِ وَالتَّمَادِي عَلَيْهِ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute