النَّوْعُ التَّاسِعَ عَشَرَ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ لِلْكُفَّارِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ لَكِنْ لَيْسَ لِكَوْنِهِ حُكْمًا إنْشَائِيًّا كَالْقَضَاءِ بِصِحَّةِ الْعُقُودِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا؛ بَلْ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَ هَذَا الْعَقْدَ مُوجِبًا لِلِاسْتِمْرَارِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ لَهُ، وَلِذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي النَّقْضَ كَعَقْدِهِ لِأَهْلِ دِينٍ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، نَحْوَ الزَّنَادِقَةِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَنَحْوِهِمْ.
النَّوْعُ الْعِشْرُونَ: تَقْرِيرُ الْخَارِجِ عَلَى الْأَرَضِينَ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تُجَّارِ الْحَرْبِيِّينَ لَيْسَ بِحُكْمٍ، إنَّمَا هُوَ تَرْتِيبُ مَا تَقْتَضِيهِ الْأَسْبَابُ الْحَاضِرَةُ، فَإِنْ ظَهَرَ لِغَيْرِهِ أَنَّ السَّبَبَ عَلَى خِلَافِ مَا اعْتَقَدَهُ الْأَوَّلُ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى خِلَافِ الْغِبْطَةِ لِلْمُسْلِمِينَ نَقْضُهُ كَمَا إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِالْبَخْسِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ.
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ]
ِ وَبَيَانِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ وَاَلَّتِي لَا يَدْخُلُهَا. وَالْأَحْكَامُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَتَحْرِيرٍ وَبَذْلِ جَهْدٍ فِي تَحْرِيرِ سَبَبِهِ وَمِقْدَارِ مُسَبِّبِهِ، وَذَلِكَ كَالطَّلَاقِ بِالْإِعْسَارِ وَالطَّلَاقِ بِالِاضْطِرَارِ وَالطَّلَاقِ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَحْقِيقِ الْإِعْسَارِ، وَهَلْ هُوَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ أَمْ لَا، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ فَقِيرًا عَلِمَتْ بِفَقْرِهِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، وَكَذَلِكَ تَحْقِيقُ حَالِهِ، وَهُوَ هَلْ هُوَ مِمَّنْ يُرْجَى لَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ ، وَكَذَلِكَ تَحْقِيقُ صُورَةِ الْإِضْرَارِ، وَكَذَلِكَ يَمِينُ الْمَوْلَى، يُنْظَرُ هَلْ هِيَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ؟ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا وَهِيَ مُرْضِعٌ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهِ فَيُنْظَرُ فِيمَا ادَّعَاهُ، فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْإِضْرَارَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ عَلَى الْغَائِبِ، وَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ.
تَنْبِيهٌ: إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَمَا أَشْبَهَهَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ، فَهَلْ صُدُورُ الطَّلَاقِ فِيهَا صَادِرٌ عَنْ الْحُكْمِ أَوْ عَنْ الزَّوْجَةِ أَوْ بَعْضِهِ عَنْ الْحَاكِمِ وَبَعْضِهِ عَنْ الزَّوْجَةِ؟ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَحَكَى ابْنُ سَهْلٍ فِيهَا أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا مُحَمَّدٍ سِرَاجًا، وَكَانَ أَحَدَ الْمُشَاوِرِينَ بِالْأَنْدَلُسِ أَجَابَ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute