للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ شُهُودُ التَّزْكِيَةِ بِخِلَافِ شُهُودِ الْحُقُوقِ، قَالَ مَالِكٌ: قَدْ تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْدِيلُهُ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا تَعْدِيلُ الْعَارِفِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُقْبَلُ فِي التَّزْكِيَةِ إلَّا الْعَدْلُ الْمُبَرِّزُ الْفَطِنُ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي عَقْلِهِ وَلَا يُسْتَنْزَلُ فِي رَأْيِهِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا: أَنَّ شُهُودَ التَّزْكِيَةِ كَشُهُودِ سَائِرِ الْحُقُوقِ.

مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ الشَّاهِدُ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ جُرْحَةٌ قَدِيمَةٌ أَوْ يَعْلَمُهَا الْحَاكِمُ فِيهِ، لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِتَزْكِيَتِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ مِمَّنْ عَلِمَ بِجُرْحَتِهِ ثُمَّ شَهِدَ عَلَى تَوْبَتِهِ مِنْهَا وَنَزْعِهِ عَنْهَا وَحِينَئِذٍ يُزَكِّيهِ.

فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ الْمَحْدُودُ وَالْمَقْذُوفُ بِمَنْزِلَتِهِ لَا تَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ بِمَعْرِفَةٍ تَزَيُّدِهِ فِي الْخَيْرِ.

تَنْبِيهٌ: تَعْدِيلُ الْأَبِ ابْنَهُ أَوْ الِابْنُ أَبَاهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَدِّلُ مُبَرِّزًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ قِيَامُهُ لِغَيْرِ التَّعْدِيلِ وَلَمْ يَقْصِدْ إلَّا إحْيَاءَ الشَّهَادَةِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِفَهُ بِاَلَّذِي تَتِمُّ بِهِ شَهَادَتُهُ مِنْ عَدَالَتِهِ مِنْ الْبَيَانِ.

مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي الشَّاهِدِ الَّذِي لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ وَلَا جُرْحَتُهُ يَشْهَدُ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ: مَذْهَبُ مَالِكٍ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ حَالِهِ وَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى فِسْقٍ وَلَا عَلَى عَدَالَةٍ حَتَّى تَنْكَشِفَ لَهُ إحْدَى الْحَالَتَيْنِ.

مَسْأَلَةٌ: لَا يُزَكَّى الشَّاهِدُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْقَاضِي إلَّا عَلَى عَيْنِهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُزَكِّيَ عَنْ تَفْسِيرِ الْعَدَالَةِ: إذَا كَانَ عَالِمًا بِوُجُوهِهَا، وَلَا عَنْ الْجُرْحَةِ إذَا كَانَ عَالِمًا بِهَا.

[فَصْلٌ عَدَدُ مَنْ يُقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ]

فَصْلٍ: وَأَمَّا عَدَدُ مَنْ يُقْبَلُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ، فَقِيلَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ عَدْلَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ، وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ أَقَلَّ مَا يُزَكِّي الرَّجُلَ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي الْوَاضِحَةِ وَالتَّزْكِيَةُ تَخْتَلِفُ، فَتَكُونُ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ بِقَدْرِ مَا يَظْهَرُ لِلْحَاكِمِ وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَهُ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَمَا كَثُرَ مِنْ الشُّهُودِ فَهُوَ أَحْسَنُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ التَّزْكِيَةُ فِي شَاهِدٍ شَهِدَ بِزِنًا، فَإِنَّ مُطَرِّفًا رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُزَكِّيهِ إلَّا أَرْبَعَةٌ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ: اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ، فَمَرَّةً اسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَجْتَزِئَ بِقَوْلِ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ أَجَازَهُ، وَاَلَّذِي جَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>