للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ غَيْرُ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ تَوَسَّعُوا فِي هَذَا الْعَصْرِ فَصَارُوا يُفْتُونَ مِنْ كُتُبٍ يُطَالِعُونَهَا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ، وَهُوَ خَطَرٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ، وَخُرُوجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ، غَيْرَ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ؛ لِأَجْلِ شُهْرَتِهَا بَعُدَتْ بُعْدًا شَدِيدًا عَنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّزْوِيرِ فَاعْتَمَدَ النَّاسُ عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ أَيْضًا أُهْمِلَتْ رِوَايَةُ كُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ بِالْعَنْعَنَةِ عَنْ الْعُدُولِ بِنَاءً عَلَى بُعْدِهَا عَنْ التَّحْرِيفِ، وَإِنْ كَانَتْ اللُّغَةُ هِيَ أَسَاسُ الشَّرْعِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِهْمَالُ ذَلِكَ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَعْضُدُ أَهْلَ الْعَصْرِ فِي إهْمَالِ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ بِجَامِعِ بُعْدِ الْجَمِيعِ عَنْ التَّحْرِيفِ، وَعَلَى هَذَا تَحْرِيمُ الْفُتْيَا مِنْ الْكُتُبِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي لَمْ تَشْتَهِرْ حَتَّى تَتَظَافَرَ عَلَيْهَا الْخَوَاطِرُ وَيُعْلَمُ صِحَّةُ مَا فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْكُتُبُ الْحَدِيثَةُ التَّصْنِيفِ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ عَزْوُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنْقُولِ إلَى الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، أَوْ يُعْلَمُ أَنَّ مُصَنِّفَهَا كَانَ يَعْتَمِدُ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الصِّحَّةِ وَهُوَ مَوْثُوقٌ بِعَدَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ حَوَاشِي الْكُتُبِ تَحْرُمُ الْفَتْوَى بِهَا؛ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا وَالْوُثُوقِ بِهَا انْتَهَى.

وَمُرَادُهُ إنْ كَانَتْ الْحَوَاشِي غَرِيبَةَ النَّقْلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا فِيهَا مَوْجُودًا فِي الْأُمَّهَاتِ أَوْ مَنْسُوبًا إلَى مَحَلِّهِ، وَهِيَ بِخَطٍّ يَوْثُقُ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ التَّصَانِيفِ، وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ وَأَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ يَنْقُلُونَ مَا عَلَى حَوَاشِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ الْمَوْثُوقِ بِعِلْمِهِمْ بِخُطُوطِهِمْ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَالْقَاضِي أَبِي الْأَصْبَغِ بْنِ سَهْلٍ وَغَيْرِهِمَا، إذَا وَجَدُوا حَاشِيَةً يَعْرِفُونَ كَاتِبَهَا نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْهُ وَنَسَبُوهَا إلَيْهِ، وَأَدْخَلُوا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ، وَأَمَّا حَيْثُ يُجْهَلُ الْكَاتِبُ وَيَكُونُ النَّقْلُ غَرِيبًا فَلَا شَكَّ فِيمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمِنْ ذَلِكَ الطُّرَرُ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجِ عَلَى التَّهْذِيبِ وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ عَلَيْهَا الْمَوْثُوقِ بِصِحَّةِ مَا فِيهَا، وَكَذَلِكَ الطُّرَرُ لِابْنِ عَاتٍ عَلَى الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الطُّرَرِ لِأَبِي الْحَسَنِ السِّنْجِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ مِنْ الْحَوَاشِي الْمَوْثُوقِ بِهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ، وَغَالِبُ مَا فِيهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَحَلِّهِ.

[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي]

فَصْلٌ: وَيَلْحَقُ بِهَذَا الرُّكْنِ بَيَانُ مَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَيُنْقَضُ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقَوَاعِدِ أَوْ بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ أَوْ الْقِيَاسِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ فَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الْأَخَ، أَمَّا حِرْمَانُ

<<  <  ج: ص:  >  >>