للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى حَدٍّ، وَلَا يَثِقُ أَحَدٌ بِمَا قَضَى لَهُ بِهِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ شَدِيدٌ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِمَالٍ فَسَخَهُ، وَإِنْ كَانَ ثُبُوتَ نِكَاحٍ أَوْ فَسْخَهُ لَمْ يَنْقُضْهُ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَالْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ إلَى الصَّوَابِ.

وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: وَلَوْ عُزِلَ الْقَاضِي ثُمَّ وُلِّيَ فَأَرَادَ نَقْضَ قَضَاءٍ كَانَ قَدْ قَضَى بِهِ فِي وِلَايَتِهِ الْأُولَى وَالرُّجُوعَ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ نَقْضِ قَضَاءِ غَيْرِهِ قَبْلَهُ إنْ كَانَ خَطَأً بَيِّنًا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، أَوْ أَمْرًا شَاذًّا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ.

[فَصْلٌ فِي الْقَاضِي يَقْضِي لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى ثُمَّ يَشْهَدُ لِلْآخَرِ]

فَصْلٌ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ فِي الْقَاضِي يَقْضِي لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ يَشْهَدُ لِلْآخَرِ عَلَى فَسْخِ حُكْمِ الْأَوَّلِ وَيَكْتُبُ لَهُ بِالْفَسْخِ كِتَابًا فَلَا أَرَى ذَلِكَ فَسْخًا يَنْقُضُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ صَوَابًا غَيْرَ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، حَتَّى يُلَخِّصَ فِي الْفَسْخِ مَا يَسْتَوْجِبُ بِهِ فَسْخَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ أَوْ يَرْجِعَ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ، فَيَرْجِعُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ، إلَّا أَنْ يَقُولَ تَبَيَّنَ لِي أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِبَاطِلٍ، هَذَا يَكْفِي مِنْ التَّلْخِيصِ، وَهُوَ فَسْخٌ بَيِّنٌ.

وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي فَسْخِهِ حُكْمَ نَفْسِهِ أَنْ يُبَيِّنَ مُوجِبَ الْفَسْخِ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى نَفْيِ النَّقْصِ عَنْهَا، قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ " إلَّا أَنْ يَقُولَ تَبَيَّنَ لِي أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِبَاطِلٍ " كَيْفَ يُمْكِنُهُ فَسْخُ حُكْمِهِ بِهَذَا.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ لِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ مِثْلَهُ، وَبِهِ أَقُولُ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْفَسْخِ تَكْفِيهِ إذَا كَانَ مَأْمُونًا، وَلَمْ يَقُلْ سِوَى قَوْلِهِ: إنِّي قَدْ رَجَعْتُ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ الَّذِي حَكَمْتُ بِهِ لِفُلَانٍ، وَكَانَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَشْرَفَ حُجَّتَهُمْ وَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَالْمُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ مَعَ الرُّجُوعِ وَالْفَسْخِ لِلْحُكْمِ قَالَ قَضَيْت لِلْآخَرِ يَعْنِي الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ هَكَذَا، وَعَادَا جَمِيعًا إلَى رَأْسِ أَمْرِهِمَا يَعْنِي، أَنَّ الْفَسْخَ يَمْضِي دُونَ الْحُكْمِ لِلْمَقْضِيِّ بِهِ أَوَّلًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْقَضَاءِ وَالْفَسْخِ فَجَازَ الْفَسْخُ، وَلَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى يَضْرِبَ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ الْأَجَلَ فِي الْجُرْحِ وَالْحُجَجِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ هَذَا، فَقَدْ اسْتَبْرَأَ أَمْرَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَإِذَا كَانَ الْفَاسِخُ لِلْقَضَاءِ غَيْرَ الْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِهِ فَهُنَا لَا يَكُونُ إشْهَادُهُ عَلَى فَسْخِ مَا حَكَمَ بِهِ غَيْرُهُ فَسْخًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِي الْفَسْخِ مَا رَدَّ بِهِ الْقَضِيَّةَ، وَمَا هُوَ أَحَقُّ مِنْهَا، وَمَا يَجُوزُ بِهِ فَسْخُهُ، وَكَذَلِكَ قَالُوا لِي أَجْمَعُونَ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>