للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْقِسْمُ السَّادِسُ فِي ذِكْرِ الْيَمِينِ وَصِفَتِهَا وَزَمَانِهَا وَمَكَانِهَا]

وَالتَّغْلِيظِ فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي كِتَابِ الْمُذْهَبِ: الْيَمِينُ تَكُونُ تَارَةً لِرَفْعِ الدَّعْوَى كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَالٍ فَيُنْكِرُهُ، وَتَارَةً لِتَصْحِيحِهَا كَالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَتَارَةً لِإِيقَافِهَا كَالْحَلِفِ عَلَى نَفْيِ حَقٍّ ثَبَتَ لِصَغِيرٍ بِشَاهِدٍ، وَتَارَةً لِتَتْمِيمِ الْحُكْمِ كَيَمِينِ الِاسْتِبْرَاءِ. أَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، لَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ كِنَانَةَ أَنَّهُ يُزَادُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَفِي اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ عَلَى الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.

وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ إنَّمَا يَحْلِفُ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَا يَأْمُرُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ وَالدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ، وَكُلَّمَا كَانَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمَجُوس، غَيْرَ أَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا يُحَلَّفُونَ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ مِنْ كَنَائِسِهِمْ، وَمَوَاضِعِ عِبَادَاتِهِمْ، وَيُرْسِلُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ رَسُولًا يُحَلِّفُهُمْ بِاَللَّهِ.

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُزَادُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ.

فَرْعٌ: وَوَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْقَسَامَةِ: بِاَللَّهِ الَّذِي أَحْيَا وَأَمَاتَ.

وَفِي اللِّعَانِ أَشْهَدُ بِعِلْمِ اللَّهِ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ.

فَرْعٌ: وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى الْيَهُودِيِّ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَعَلَى النَّصْرَانِيِّ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى.

تَنْبِيهٌ: وَمِنْ الْكُفَّارِ مَنْ لَا يَحْلِفُ بِمَا يَحْلِفُ بِهِ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ التَّوْحِيدِ، وَيَحْتَجُّونَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ عَنْ دِينِهِمْ لِيَمِينٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>