للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَعَذُّرِهِ، وَاخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، احْتَجْنَا إلَى ذِكْرِهَا وَعَدِّ أَنْوَاعِهَا وَتَمْثِيلِ مَسَائِلِهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْهَا فِي الْمَعُونَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَزَادَ عَلَيْهَا الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ وَعَدَّهَا سَبْعَةَ عَشَرَ نَوْعًا، وَهِيَ أَضْعَافُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الِاعْتِبَارِ الَّذِي أَسَّسُوهُ، وَالطَّرِيقُ الَّذِي سَلَكُوهُ، فَانْظُرْهَا فِي الْقَوَاعِدِ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَتَيْنِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ، وَلَهُمْ - رَحْمَةُ اللَّه عَلَيْهِمْ - فَضِيلَةُ السَّبْقِ وَفَتْحِ بَابِ التَّوَسُّعِ فِي الْفَهْمِ، وَيَنْدَرِجُ فِي سِلْكِ الْبَيِّنَاتِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا ذِكْرُ مَا تُفَصَّلُ بِهِ الْأَحْكَامُ مِنْ الصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَقْسَامِ مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ]

فِي أَقْسَامِ مُسْتَنَدِ عِلْمِ الشَّاهِدِ وَلَا يَصِحُّ لِلشَّاهِدِ شَهَادَتُهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ، إذْ لَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِمَا عُلِمَ، وَقُطِعَ بِمَعْرِفَتِهِ لَا بِمَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَعْرِفَتُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: ٨١] ، وَقَدْ يَلْحَقُ الظَّنُّ الْغَالِبُ بِالْيَقِينِ لِلضَّرُورَةِ فِي مَوَاضِعَ يَأْتِي ذِكْرُهَا. كَالشَّهَادَةِ فِي التَّفْلِيسِ وَحَصْرِ الْوَرَثَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَالْعِلْمُ يُدْرَكُ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:

الْأَوَّلُ: الْعَقْلُ بِانْفِرَادِهِ، فَإِنَّهُ يُدْرِكُ بَعْضَ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّاتِ، مِثْلُ: أَنَّ الِاثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ، فَيَعْلَمُ بِهِ حَالَ نَفْسِهِ مِنْ صِحَّتِهِ وَسَقَمِهِ وَإِيمَانِهِ وَكُفْرِهِ، وَتَصِحُّ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

الثَّانِي: الْعَقْلُ مَعَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ، حَاسَّةِ السَّمْعِ وَحَاسَّةِ الْبَصَرِ، وَحَاسَّةِ الشَّمِّ وَحَاسَّةِ الذَّوْقِ، وَحَاسَّةِ اللَّمْسِ - فَيُدْرِكُ بِالْعَقْلِ مَعَ حَاسَّةِ السَّمْعِ الْكَلَامَ وَجَمِيعَ الْأَصْوَاتِ، وَلِذَلِكَ نُجِيزُ بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى عَلَى الْأَقْوَالِ، إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَدْ لَازَمَهُ كَثِيرًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْأَعْمَى كَلَامَهُ وَيَقْطَعَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ نُجِيزُ شَهَادَةَ الِاسْتِغْفَالِ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا. وَيُدْرِكُ بِالْعَقْلِ مَعَ حَاسِّهِ الْبَصَرِ جَمِيعَ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْمُبْصَرَاتِ، وَلِذَلِكَ نُجِيزُ شَهَادَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>