للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ، فَإِنْ قَامَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ وَإِلَّا ضَمِنَ.

مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ: إذَا وُجِدَ فِي دِيوَانِ الْقَاضِي بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ عَزْلِهِ أَنَّ عِنْدَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي عِنْدَنَا أَوْ قَالَ مِنْ مَالِ فُلَانٍ الْيَتِيمِ كَذَا وَكَذَا دِينَارًا وَأَنْكَرَ الْأَمِينُ، فَإِنَّهُ يُحَلَّفُ وَيَبْرَأُ وَيَضْمَنُ الْقَاضِي ذَلِكَ الْمَالَ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ حِينَ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ مَا يُرْفَعُ إلَى الْقُضَاةِ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى]

فَصْلٌ: وَفِي سَمَاعِ عِيسَى سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّا يُرْفَعُ إلَى الْقُضَاةِ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى هَلْ يَسْتَوْدِعُونَهَا لَهُمْ أَوْ يُضَمِّنُونَهَا، فَقَالَ: الضَّمَانُ الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُضَمِّنُونَهَا أَقْوَامًا يَكُونُ لَهُمْ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِمْ ضَمَانُهَا حَرَامٌ لَا يَحِلُّ، وَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنْ يَسْتَوْدِعَهَا مَنْ يُوثَقُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَوْصِيَاءٌ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ وَصِيٌّ لَمْ تُحَرَّكْ مِنْ يَدِهِ إنْ كَانَ ثِقَةً، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ أَخَذَهَا الْقَاضِي وَاسْتَوْدَعَهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيُّ دَفْعَهَا إلَى مَنْ يَتَّجِرُ بِهَا أَوْ يُقَارِضُ لَهُمْ أَهْلَ الثِّقَةِ عَلَى النَّظَرِ لَهُمْ فَذَلِكَ حَسَنٌ، وَلَوْ اتَّجَرَ فِيهَا الْوَصِيُّ لِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا الْقَاضِي فَلَا بَأْسَ إنْ كَانَ مَلِيًّا، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْفَصْلُ فِي آدَابِ الْقَاضِي.

وَهُنَاكَ زِيَادَةٌ وَبَيَانٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا أَعَدْتُهُ لِمَا جَرَى بِهِ عَمَلُ قُضَاةِ الْقَيْرَوَانِ، فَفِي رِسَالَةِ الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ عِنْدَ الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ أَنَّ بَعْضَ قُضَاةِ الْقَيْرَوَانِ لَمَّا تَحَقَّقَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأُمَنَاءَ يَتَّجِرُونَ بِأَمْوَالِ الْأَيْتَامِ لِأَنْفُسِهِمْ، كَانُوا يَدْفَعُونَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأُمَنَاءِ فَإِذَا مَضَوْا بِهَا إلَى مَوْضِعِهِمْ عَادُوا إلَى الْقَاضِي، فَأَقَرُّوا عِنْدَهُ أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا فِيهَا أَيْدِيَهُمْ وَصَرَفُوهَا فِي مَصَالِحِهِمْ حَتَّى صَارَتْ بِذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِمْ، فَكَتَبَهَا الْقَاضِي حِينَئِذٍ عَلَيْهِمْ فِي دِيوَانِهِ أَنَّهَا صَارَتْ فِي ذِمَّتِهِمْ بِتَحْرِيكِهِمْ إيَّاهَا، وَيَذْكُرُ فِي دِيوَانِهِ الْقِصَّةَ كَمَا جَرَتْ، وَيُشْهِدُ عَلَى الْأُمَنَاءِ وَذَلِكَ مِنْ الْقُضَاةِ هُرُوبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّ دَفْعَهَا إلَى الْأُمَنَاءِ عَلَى أَنْ يَضْمَنُوهَا حَرَامٌ، فَتَوَصَّلُوا بِهَذَا الطَّرِيقِ إلَى تَضْمِينِهِمْ إيَّاهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>