للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، أَمَّا إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ، فَإِذَا شَهِدَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ حَكَمَ بِنَقْضِهِ.

[الْبَابُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ النَّفْيِ]

قَالَ الْقَرَافِيُّ: اُشْتُهِرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ: فَإِنَّ النَّفْيَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ أَوْ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَحْصِ، وَقَدْ يَعْرَى عَنْهُمَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ اتِّفَاقًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَسٌ وَنَحْوُهُ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقْتُلْ عَمْرًا بِالْأَمْسِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يُفَارِقْهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي الْبَلَدِ، فَهَذِهِ شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ بِالنَّفْيِ.

الثَّانِي: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ، أَعْنِي بِالنَّفْيِ مُسْتَنِدًا إلَى الظَّنِّ الْغَالِبِ وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ مِنْهَا التَّفْلِيسِ، فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا حُصُولُ الْمَالِ لِلْمُفْلِسِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ، وَمِنْهَا الشَّهَادَةِ عَلَى حَصْرِ الْوَرَثَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ هَذَا، فَمُسْتَنَدُ الشَّاهِدِ الظَّنُّ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ وَارِثٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ، فَهِيَ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ، وَمِنْهَا مَقْبُولَةِ الشَّهَادَةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَمْ يُفَوِّتْهُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَوْتِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ هَلْ الشَّاهِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ عَلَى الْبَتِّ؟ وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلْوَرَثَةِ عَنْ مُوَرِّثِهِ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ حَتَّى يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ الْمَشْهُودَ لَهُ بِهِ فَوَّتَ شَيْئًا مِنْهُ، إلَى آخِرِ إيقَاعِهِمْ لِشَهَادَتِهِمْ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَطْعِ وَالشَّهَادَةُ بِالْعِلْمِ سَاقِطَةٌ، وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ.

الثَّالِثُ: مَا عَرَى عَنْهُمَا مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يُوَفِّ الدَّيْنَ عَلَيْهِ أَوْ بَاعَ سِلْعَتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا نَفْيٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَإِنَّمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ الْمُنْضَبِطِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>