للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الْأَرْبَعُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ]

وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْ مُطْلَقَ الظَّنِّ فِي غَالِبِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ ظُنُونًا مُفِيدَةً مُسْتَفَادَةً مِنْ إمَارَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَذَلِكَ فِيمَا لَا سَبِيلَ فِيهِ إلَى الْقَطْعِ كَالشَّهَادَةِ أَنَّ الْمِدْيَانَ مُعْدَمٌ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى عِلْمِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ الْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ، فَاسْتَظْهَرَ بِالْيَمِينِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، فَبِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ اسْتَحَقَّ حُكْمَ الْمُعْدَمِ، وَسَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ.

مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ لِامْرَأَةٍ غَابَ زَوْجُهَا وَتَرَكَهَا بِغَيْرِ نَفَقَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ عَلَى الْعِلْمِ الْبَتِّ، فَإِذَا قَامَتْ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَشَهِدَ لَهَا الشُّهُودُ، اسْتَظْهَرَ عَلَيْهَا بِالْيَمِينِ عَلَى صِحَّةِ مَا شَهِدَ الشُّهُودُ لَهَا، فَبِمُقَارِبَةِ الْيَمِينُ الشَّهَادَةَ وَجَبَ لَهَا الْحُكْمُ بِذَلِكَ.

مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَفِي هَذَا النَّوْعِ خِلَافٌ وَتَفْرِقَةٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْمُسْتَحَقَّاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ بِشَاهِدَيْنِ وَيَمِينِ الْقَضَاءِ.

مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى عِدَّةِ الْوَرَثَةِ، لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَتُهُمْ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا: لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ وَلَا خَرَجَ عَنْ يَدِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ انْتِقَالَاتِ الْأَمْلَاكِ، وَلَا يَشْهَدُونَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا فِي عِدَّةِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْبَتِّ، فَلَوْ قَالُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ أَصْلًا عَلَى الْبَتِّ، أَوْ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ شَيْؤُهُ لَمْ يَبِعْهُ وَلَا فَوَّتَهُ كَانَتْ شَهَادَةَ زُورٍ، كَذَا هُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إنَّ الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى الْبَتِّ وَهُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي التَّنَبُّهُ لَهُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَاتِ.

مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَا رَجُلًا خَرَجَ مُسْتَسِرًّا مِنْ دَارٍ فِي حَالٍ رَثَّةٍ، فَاسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ فَدَخَلَ الْعُدُولُ مِنْ سَاعَتِهِمْ الدَّارَ فَوَجَدُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>