للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ بَيْعُ مَوَاضِعِ الْمَسَاجِدِ الْخَرِبَةِ]

فَصْلٌ: وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْبَابِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: فِي الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَوَاضِعِ الْمَسَاجِدِ الْخَرِبَةِ، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ نَقْضِهَا إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ مُزَيْنٍ أَنَّ نَقْضَهُ يُؤْخَذُ فَيَنْتَفِعُ بِهِ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ وَيُتْرَكُ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَمًا لَهُ لِئَلَّا يَنْدَرِسَ أَثَرُهُ، فَانْظُرْهُ كَيْفَ جَعَلَ مَا يَبْقَى مِنْ آثَارِهِ دَلِيلًا شَاهِدًا بِأَنَّهُ حَبْسٌ وَأَنَّهُ مَسْجِدٌ، وَيَكُونُ وُجُودُ مَا يَبْقَى كَوُجُودِ الْمَسْجِدِ بِكَمَالِهِ.

فَرْعٌ: وَفِي الطُّرَرِ: إذَا وَجَدَ رَجُلًا يَبِيعُ فَرَسًا عَلَيْهِ وَسْمُ الْحَبْسِ وَقَالَ: إنَّمَا وَسَمْته مَخَافَةَ الْعُمَّالِ وَلَمْ أَحْتَبِسْهُ، فَإِنْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ نَاحِيَةِ النَّاسِ حَلَفَ وَأُطْلِقَ عَلَى بَيْعِهِ.

وَكَتَبَ الْقَاضِي بْنُ السَّلِيمِ إلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ زَرْبٍ: فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الثَّغْرِ بِيَدِهِ فَرَسٌ مَوْسُومٌ فِي فَخِذِهِ حَبْسٌ لِلَّهِ تَعَالَى، رُفِعَ إلَى الْقَاضِي فَسُئِلَ عَنْ وَجْهِ تَمَلُّكِهِ لِلْفَرَسِ، فَقَالَ: شَرَيْته بِبِلَادِ الْبَرَابِرِ، فَلَمَّا جِئْت سِجِلْمَاسَةَ خِفْت أَنْ أَغْرَمَ عَلَيْهِ أَوْ يُنْزَعَ فَوَسَمْته، هَذَا رَجَاءَ أَنْ يُطْلَقَ.

فَكَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي ابْنُ زَرْبٍ إنْ لَمْ يُعْرَفْ مِلْكُهُ لِلْفَرَسِ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ السِّمَةِ وَإِلَّا أَقَامَ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ فَأَمْضِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ وَسْمِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ الْمُتَغَزِّي فِي هَذَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ وَحْدَهَا وَإِبِلَ الْجِزْيَةِ وَحْدَهَا» ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَسْمَ أَثَرٌ يُعْمَلُ بِهِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ. وَقَدْ حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَثَرِ فِي السَّيْفِ فِي قَضِيَّةِ ابْنَيْ عَفْرَاءَ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي بَابِ التَّعْرِيفِ بِالْبَيِّنَةِ وَحَقِيقَتِهَا.

وَفِي «قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ وَأَصْحَابِهِ: لَمَّا دَخَلُوا الْحِصْنَ عَلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ لِيَقْتُلُوهُ وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلًا، فَوَقَعُوا فِيهِ بِالسُّيُوفِ، وَوَضَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ وَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى نَبَعَ ظَهْرُهُ، فَلَمَّا رَجَعُوا وَقَدْ قَتَلُوهُ نَظَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى سُيُوفِهِمْ، فَقَالَ: هَذَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ رَأَى عَلَى السَّيْفِ أَثَرَ الطَّعَامِ» .

تَنْبِيهٌ: فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَسْمِ وَقَعَ فِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ فِي الرَّاعِي يَرْعَى لِقَوْمٍ فَتَخْتَلِطُ وَيَتَدَاعَوْا فِي شِيَاهٍ مِنْهَا، فَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَحْلِفُ مِنْ يُقِرُّ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>