للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» . وَمَعْلُومٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَقُلْ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ عِنْدَك، وَلَكِنْ أَخْبَرَهُ فَسَمَّى ذَلِكَ شَهَادَةً، فَاشْتِرَاطُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَلَا فِي عَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ. انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ وَنَسَبَهُ إلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

تَنْبِيهٌ: وَيُؤَيِّدُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ عَنْ مَذْهَبِنَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي الْمُقْنِعِ عَنْ أَصَبْغَ قَالَ: لَقَدْ حَضَرْت ابْنَ وَهْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ عِنْدَ الْقَاضِي الْعُمَرِيِّ، فَكَانَ كَاتِبُ الْقَاضِي يَقْرَأُ عَلَى الْقَاضِي شَهَادَةَ الشَّاهِدِ بِمَحْضَرِ الشَّاهِدِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلشَّاهِدِ هَذِهِ شَهَادَتُك؟ فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ نَعَمْ لَيْسَ هُوَ إنْشَاءٌ لِلشَّهَادَةِ، وَقَدْ اكْتَفَى بِهِ مِنْ الشَّاهِدِ وَفِي رِسَالَةِ الْقَضَاءِ، وَالْأَحْكَامِ فِيمَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَ الْحُكَّامِ، قَالَ: وَإِذَا فَرَغَ الْكَاتِبُ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَحْضَرِ الَّذِي تُقَيَّدُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ قَالَ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي هَذِهِ دَعْوَاك؟ فَإِذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّهُودِ هَكَذَا شَهِدْت، فَإِذَا قَالَ نَعَمْ وَقَّعَ الْقَاضِي بِخَطِّهِ فِي آخِرِهِ، شَهِدَ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ عِنْدِي، وَإِنْ شَاءَ كَتَبَ: كَذَلِكَ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عِنْدِي. فَجَعَلَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَفْظَةَ نَعَمْ فَقَطْ.

وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يَقُولُ لِلشَّاهِدَيْنِ إنَّمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ أَنْتُمَا، وَإِنَى مُحِقٌّ بِكَمَا فَاتَّقِيَا اللَّهَ أَتَشْهَدَانِ أَنَّ الْحَقَّ لِهَذَا؟ فَإِذَا قَالَا نَعَمْ أَجَازَ شَهَادَتَهُمَا، فَظَاهِرُ نُصُوصِ الْمَذْهَبِ، أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَبُولِهَا وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّافِعِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ نَقَلَهُ مِنْ كَلَامِهِمْ، فَكَثِيرًا مَا يَنْقُلُ عِبَارَاتِهِمْ إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا غَيْرُ مُخَالِفَةٍ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي تَصْحِيحِ الدَّعَاوَى، وَلَهُ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي بَابِ السِّيَاسَةِ مِنْ كِتَابِ الذَّخِيرَةِ لَهُ، نَقَلَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْمَاوَرْدِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي قِسْمِ السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ.

[فَصْلٌ الْفَرْقُ بَيْن الشَّهَادَةِ بِالْمَصْدَرِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَالشَّهَادَةِ بِالصُّدُورِ]

فَصْلٌ: وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَفْرِيقٌ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمَصْدَرِ، وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَالشَّهَادَةِ بِالصُّدُورِ، فَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ، أَوْ هَذَا مَبِيعٌ مِنْ فُلَانٍ، أَوْ هَذِهِ مَنْكُوحَةُ فُلَانٍ، فَإِنَّ الْحَاكِمُ يَحْكُمُ بِمُوجِبِ شَهَادَتِهِمْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالصُّدُورِ فَقَالُوا: نَشْهَدُ بِصُدُورِ الْوَقْفِ أَوْ بِصُدُورِ الْبَيْعِ، لَمْ يَحْكُمْ بِمُوجَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>