مِنْ الْأَنْدَرِ فِي مَوْضِعٍ مَأْمُونٍ، فَتَحَامَلَتْ النَّارُ أَوْ حَمَلَهَا الرِّيحُ حَتَّى أَحْرَقَتْ مَا فِي الْأَنْدَرِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي حَمَلَهَا، وَمِثْلُهَا النَّارُ تُلْقَى فِي الشَّعْرَاءِ وَهِيَ الْغَابَةُ مِنْ الشَّجَرِ، وَكَذَلِكَ النَّارُ تُلْقَى فِي مَوْضِعِ الْحَصِيدَةِ.
[فَصْلٌ فِي الْحَجَّامِ وَالْبَيْطَارِ وَشَبَهِهِمَا]
وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِحَجَّامٍ يَفْصِدُهُ أَوْ يَخْتِنُ وَلَدَهُ أَوْ الْبَيْطَارُ فِي دَابَّةٍ، فَتَوَلَّدَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ذَهَابُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ تَلَفُ الدَّابَّةُ أَوْ الْعَبْدُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْإِذْنِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَأْيَهُ بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً، أَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا أَوْ فَعَلَ غَيْرَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ خَطَأٌ، أَوْ يُجَاوِزُ الْحَدَّ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ أَوْ قَصَّرَ فِيهِ عَنْ الْمِقْدَارِ الْمَطْلُوبِ، ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيَنْفَرِدُ الْجَاهِلُ بِالْأَدَبِ وَلَا يُؤَدَّبُ الْمُخْطِئُ، وَهَلْ يُؤَدَّبُ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ؟ .
فَرْعٌ: وَإِذْنُ الْعَبْدِ لِلْحَجَّامِ أَنْ يَحْجُمَهُ أَوْ يَخْتِنَهُ غَيْرَ مُفِيدٍ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ، إنْ نَشَأَ عَنْ الْحِجَامَةِ أَوْ الْخِتَانِ خَطَرٌ، لِأَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَا قَالَهُ فِي الْخِتَانِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَالْعُرْفُ مُطَّرِدٌ بِعَدَمِ اسْتِئْذَانِ السَّادَاتِ فِيهَا، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُوجِبُهَا ظَاهِرٌ.
فَصْلٌ: وَأَمَّا الْمُعَلِّمُ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي مُعَلِّمِ الصِّبْيَانِ فِي الْكُتَّابِ، أَوْ مُعَلِّمِ الصَّنْعَةِ إنْ ضَرَبَ صَبِيًّا ضَرْبًا يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ الْأَدَبِ فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ ضَرَبَهُ تَعَدِّيًا أَوْ جَاوَزَ فِي أَدَبِهِ ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ ضَرَبَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ كَسَرَ ضِرْسَهُ فَعَلَيْهِ الْعَقْلُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَصَابَهُ ذَلِكَ مِنْ شِرَاكِ السَّوْطِ أَوْ عُودِ الدِّرَّةِ.
فَصْلٌ: وَأَمَّا الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ يَفْقَأُ عَيْنَ زَوْجَتِهِ أَوْ عَبْدَهُ فَيَقُولُ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ: إنَّمَا كُنْت أُؤَدِّبُ، وَتَقُولُ الْمَرْأَةُ أَوْ الْعَبْدُ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا، فَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى الْأَدَبِ وَقِيلَ: عَلَى الْعَمْدِ، وَرَجَعَ إلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدَبِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْأَظْهَرُ فِي السَّيِّدِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْخَطَأِ، إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَصَدَ الْمُثْلَةَ بِهِ، فَإِنْ دَعَا الْعَبْدُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute