للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي جَمْعِ الْفُقَهَاءِ لِلنَّظَرِ فِي حُكْمِ الْقَاضِي]

وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ: وَإِذَا اشْتَكَى عَلَى الْقَاضِي فِي قَضِيَّةٍ حَكَمَ بِهَا وَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى الْأَمِيرِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَأْمُونًا فِي أَحْكَامِهِ عَدْلًا فِي أَحْوَالِهِ بَصِيرًا بِقَضَائِهِ أَرَى أَنْ لَا يَعْرِضَ لَهُ الْأَمِيرُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ شَكْوَى مَنْ شَكَاهُ، وَلَا يَجْلِسُ الْفُقَهَاءُ لِلنَّظَرِ فِي قَضَائِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْخَطَأِ إنْ فَعَلَهُ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ إنْ تَابَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مُتَّهَمًا فِي أَحْكَامِهِ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فِي حَالِهِ أَوْ جَاهِلًا بِقَضَائِهِ فَلْيَعْزِلْهُ وَيُوَلِّ غَيْرَهُ.

قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ جَهِلَ الْأَمِيرُ فَأَجْلَسَ فُقَهَاءَ بَلَدِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالنَّظَرِ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ وَجَهِلُوا هُمْ أَيْضًا أَوْ أُكْرِهُوا عَلَى النَّظَرِ، فَنَظَرُوا فَرَأَوْا فَسْخَ ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَفَسَخَهُ الْأَمِيرُ، أَوْ رَدَّ قَضِيَّتَهُ إلَى مَا رَأَى الْفُقَهَاءُ فَأَرَى لِمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ صَوَابًا بِالِاخْتِلَافِ فِيهِ، أَوْ كَانَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَئِمَّةُ الْمَاضُونَ فَأَخَذَ بِبَعْضِ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ مَاضٍ، وَالْفَسْخُ الَّذِي تَكَلَّفَهُ الْأَمِيرُ وَالْفُقَهَاءُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا أَمْضَى فَسْخَهُ، وَأَجَازَ مَا فَعَلَهُ الْأَمِيرُ وَالْفُقَهَاءُ، وَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ خَطَأً بَيِّنًا أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ عُرِفَ مِنْ الْقَاضِي بَعْضُ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْقُضَاةِ، وَلَكِنَّ الْأَمِيرَ لَمْ يَعْزِلْهُ وَأَرَادَ النَّظَرَ فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ حُكْمَهُ خَطَأٌ بَيِّنٌ فَلْيَرُدَّهُ. قَالَ: وَإِنْ اخْتَلَفُوا عَلَى الْأَمِيرِ فَرَأَى بَعْضُهُمْ رَأْيًا وَرَأَى بَعْضُهُمْ رَأْيًا غَيْرَهُ لَمْ يَمِلْ مَعَ أَكْثَرِهِمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمَا رَآهُ صَوَابًا قَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ إذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ الْمُشِيرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ.

قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ فَصَلَ بَعْدُ فِي الْخُصُومَةِ فَصْلًا فَلَمَّا أَجْلَسَ مَعَهُ غَيْرَهُ لِلنَّظَرِ فِيهَا، قَالَ قَدْ حَكَمْت لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ النَّظَرِ فِي تِلْكَ الْحُكُومَةِ وَحْدَهَا قَدْ لَزِمَهُ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عُزِلَ ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْت حَكَمْت لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَى ذَلِكَ.

قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي الْمُشْتَكَى فِي غَيْرِ بَلَدِ الْأَمِيرِ الَّذِي هُوَ بِهِ حَيْثُ يَكُونُ قَاضِي الْجَمَاعَةِ، فَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي مَعْرُوفًا مَشْهُورًا بِالْعَدْلِ فِي أَحْكَامِهِ وَالصَّلَاحِ فِي أَحْوَالِهِ أَقَرَّهُ، وَلَمْ يُقْبَلْ عَلَيْهِ شَكْوَى، وَلَمْ يَكْتُبْ بِأَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَفْعَلُ هَذَا بِأَحَدٍ مِنْ قُضَاتِهِ، إلَّا أَنْ يُشْتَكَى مِنْهُ اسْتِبْدَادًا بِرَأْيٍ أَوْ تَرْكَ رَأْيِ مَنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَيْهِ أَنْ يُشَاوِرَ فِي أُمُورِهِ وَأَحْكَامِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمِّيَ لَهُ أَحَدًا أَوْ يُجْلِسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>