[الْبَابُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ]
فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ وَاسْتِقْضَائِهَا عَلَى شُرْبِهَا، وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ رَائِحَةُ الْخَمْرِ وَقَاءَهَا وَحَكَمَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي حَدِيثِ مَاعِزٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَنْ يُسْتَنْكَهَ مَنْ يَشْرَبُ خَمْرًا، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ» ، قَالَ اللَّخْمِيُّ: فِيهِ دَلِيلُ أَنَّ الرَّائِحَةَ يَقْضِي بِهَا دَلِيلٌ آخَرُ، أَنَّ إقْرَارَ السَّكْرَانِ غَيْرُ لَازِمٍ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ اللَّخْمِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، إلَى أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رِيحُ الْمُسْكِرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَجْلِدُ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ شَرَابٍ فَجَلَدَهُ الْحَدَّ تَامًّا، وَالدَّلِيلُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى: أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ مَا شَرِبَ الْمُكَلَّفُ وَجِنْسُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا إلَى إثْبَاتِ الْحَدِّ، أَصْلُ ذَلِكَ إنْ وَجَدَ أَنَّ الرِّيحَ مِنْ الشَّارِبِ أَقْوَى فِي مَعْرِفَةِ حَالِ الْمَشْرُوبِ مِنْ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا يُعْلَمُ بِهَا الشَّرَابُ أَمُسْكِرٌ هُوَ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِرَائِحَتِهِ.
[فَصْلٌ مَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ فِي الْخَمْرِ]
فَصْلٌ: وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: فِيمَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ.
الثَّانِي: فِيمَنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ.
الثَّالِثُ: فِيمَا يَجِبُ بِذَلِكَ إذَا تُيُقِّنَتْ رَائِحَةُ الْمُسْكِرِ أَوْ أَشْكَلَتْ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ، وَذَلِكَ فِيمَا يَرَى الْحَاكِمُ مِنْهُ تَخْلِيطًا فِي قَوْلٍ أَوْ مَشْيٍ شِبْهَ السَّكْرَانِ، فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ أَمَرَ بِاسْتِنْكَاهِهِ، قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ إلَى الْحَاكِمِ فَلَا يَسَعُهُ إلَّا تَحَقُّقُهُ، فَإِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ حُدَّ أَمَامَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute