للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي النَّوْعِ السَّابِعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْحُكَّامِ.

وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ فِي التَّنْفِيذِ حُكْمٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا فِي الْإِثْبَاتِ أَنَّ فُلَانًا حَكَمَ مُسَاعَدَةً عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ السَّابِقِ، فَلَا يُعْتَدُّ بِكَثْرَةِ الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ، فَهُوَ كُلُّهُ كَحُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، إلَّا أَنْ يَقُولَ الثَّانِي حَكَمْت بِمَا حَكَمَ بِهِ الْأَوَّلُ وَأُلْزِمْت بِمُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا حُكْمُ مَا إذَا كَانَ الْحَاكِمُ الْأَوَّلُ وَالْمُنَفِّذُ الثَّانِي مَذْهَبُهُمَا وَاحِدٌ، أَمَّا مَعَ اخْتِلَافِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا وَرَدَ عَلَى حَاكِمٍ حُكْمٌ بِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْمَشْهُورَةِ وَالْقَاضِي الْوَارِدُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ اعْتِقَادُهُ مَذْهَبٌ آخَرُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ تَنْفِيذُ هَذَا الْحُكْمِ، وَإِلْزَامُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمَالِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَإِلْزَامُ الزَّوْجَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَتَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنْهَا، مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ هُوَ خِلَافُ مَا نَفَّذَ بِهِ ذَلِكَ الْحُكْمَ؟ . فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ تَنْفِيذِهِ وَإِبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ نَفَّذَهُ وَأَلْزَمَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مَا فِيهِ أَلْزَمَهُ مَا لَا يَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُنَفِّذُهُ وَيَلْزَمُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مَا تَضَمَّنَهُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَنْ إنْفَاذِهِ كَإِبْطَالِهِ، وَقَدْ قُلْنَا إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ نَقْضِ الْأَحْكَامِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا.

[فَصْلٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَنْفِيذِ مَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمُ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

ِ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ، إذَا ثَبَتَ عِنْدَ حَاكِمٍ أَصْلُ مَطْلَبٍ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَشْهَدَ حَاكِمُهُمْ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ مُسْلِمَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنْفِذَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَنْفَذَ ذَلِكَ فَقَدْ أَنْفَذَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ الدِّينُ وَاحِدٌ، أَمَّا مَعَ اخْتِلَافِ الْمَذْهَبِ، فَقَالَ الْمَازِرِيُّ: إذَا وَرَدَ عَلَى حَاكِمٍ حُكْمٌ بِأَحَدٍ ثَبَتَ بِهِمْ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا شَهِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُكْمِ حَاكِمِهِمْ فَشَهَادَتُهُمْ فَرْعٌ وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ هِيَ الْأَصْلُ. فَائِدَةٌ: فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى مَا يُكْتَبُ فِي التَّسْجِيلَاتِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَهُوَ نَافِذُ الْقَضَاءِ وَالْحُكْمِ مَاضِيهِمَا قُلْنَا كُلٌّ مِنْ اللَّفْظَيْنِ إذَا اُسْتُعْمِلَ وَحْدَهُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْآخَرِ، فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا، كَقَوْلِهِمْ فِي الْوَثَائِقِ طَائِعًا مُخْتَارًا وَقَوْلِهِمْ فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَسَلَامَةٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ تَأْكِيدِ الْمُوَثَّقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>