فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: وَكَّلَنِي فُلَانٌ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْك وَعَدَدُهُ كَذَا، فَصَدَّقَهُ فِي الْوَكَالَةِ وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الدَّفْعُ إلَيْهِ، فَإِنْ قَدِمَ فُلَانٌ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ غُرِّمَ الْمُقِرُّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ بِإِقْرَارِهِ، وَهَذِهِ مَذْكُورَةٌ فِي بَابِ التَّصْدِيقِ.
تَنْبِيهٌ: وَالْأَصْلُ فِي الْأَمَارَةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ أَرَادَ السَّفَرَ إلَى خَيْبَرَ، إذَا أَتَيْت وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإِذَا طَلَبَ مِنْك آيَةً فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فَأَقَامَ الْعَلَامَةَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ.
[فَصْلٌ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْفِرَاسَةِ وَالْمَنْعِ مِنْ الْحُكْمِ بِهَا]
وَالْأَصْلُ فِي الْفِرَاسَةِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: ٧٥] ، «فَسَّرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لِلْمُتَفَرِّسِينَ» ، ذَكَرَهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ.
وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِالتَّوَسُّمِ» ، ذَكَرَهُمَا التِّرْمِذِيُّ. وَالْفِرَاسَةُ نَاشِئَةٌ عَنْ جَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَحِدَّةِ النَّظَرِ وَصَفَاءِ الْفِكْرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ مُذْحَجٍ فِيهِمْ الْأَشْتَرُ، فَصَعَّدَ عُمَرُ فِيهِ النَّظَرَ وَصَوَّبَهُ وَقَالَ: أَيُّهُمْ هَذَا؟ فَقَالُوا: مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ، فَقَالَ: مَا لَهُ قَاتَلَهُ اللَّهُ أَنِّي لَأَرَى لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ يَوْمًا عَصِيبًا، فَكَانَ مِنْهُ فِي الْفِتْنَةِ مَا كَانَ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَفْدٌ مِنْ الْيَمَنِ وَكَانَ عُمَرُ مَعَ الصَّحَابَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَشَارُوا إلَى رَجُلٍ مِنْ الْوَفْدِ وَقَالُوا لِعُمَرَ: هَلْ تَعْرِفُ هَذَا؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ سَوَادُ بْنُ قَارِبٍ، فَكَانَ كَذَلِكَ، وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تُنْشِدُ فِي الطَّوَافِ:
فَمِنْهُنَّ مَنْ تُسْقَى بِعَذْبٍ مُبَرَّدِ ... نِقَاحٍ فَتَلِكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ قَرَّتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute