للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ فِي الْقَاضِي يَتَوَاضَعُ الْخَصْمَانِ عِنْدَهُ الْحُجَجَ، فَيَقُولُ لَهُمَا: اجْتَهَدَا فَإِنِّي لَسْت أُقِيلُكُمَا: فَيَضَعَانِ حُجَّتَهُمَا وَيُوَقَّعُ ذَلِكَ فِي دِيوَانِ الْقَاضِي ثُمَّ يُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ حُجَّتِهِ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى فَإِنِّي أَرَى لَهُ أَنْ يُقِيلَ النَّاسَ مِنْ حُجَجِهِمْ وَلَا يُظْفِرُهَا عَلَيْهِمْ حُجَجًا لَا يَنْتَقِلُونَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَضَعُ حُجَّتَهُ فَيُسْقِطُ مِنْهَا كَثِيرًا نِسْيَانًا لَهَا أَوْ عَجَلًا أَوْ حَصَرًا إلَّا أَنْ يَسْتَوْعِبَ أَمْرَ الْخَصْمَيْنِ بِالْكَشْفِ عَنْ أَمْرِهِمَا وَيُعْجِزَا أَنْفُسَهُمَا وَيَقُولَا لَهُ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْحُجَجِ إلَّا الَّذِي وَضَعْنَاهُ عِنْدَك، ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ وَقَفَ لِيَسْتَشِيرَ فِي ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ إنْ بَدَا لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ حُجَّتِهِ إلَى غَيْرِهَا تَكُونُ أَنْفَعَ لَهُ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَرَى الْقَاضِي لِذَلِكَ وَجْهًا وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ عُذْرُهُ، فَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ وَكَانَ قَدْ عَجَزَ نَفْسُهُ عَنْهَا فَإِنْ رَأَى السُّلْطَانُ أَنَّ بَيِّنَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ غَائِبَةً غَيْبَةً بَعِيدَةً أَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَنَظَرَ لَهُ مَا لَمْ يَفْصِلْ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا، فَحِينَئِذٍ لَا يَنْظُرُ لَهُ فِي بَيِّنَتِهِ وَلَا يَعْذِرُهُ بِغَيْبَتِهَا وَلَا بِمَا خَفِيَ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهَا، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِحُجَّةٍ لَمْ يَكُنْ أَتَى بِهَا أَوْ يَجْرَحَ مَنْ كَانَ مُكِّنَ مِنْ جَرْحِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَمَضَى أَمْرُهُ، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ أَمْرُ الْحُكَّامِ بِالْمَدِينَةِ وَقَالَهُ أَصْبَغُ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ هُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا. قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ وَحَكَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهَا أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا.

[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي اسْتِخْلَافِ الْقَاضِي]

وَإِذَا نَهَى الْإِمَامُ الْقَاضِيَ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ اسْتَخْلَفَ عَلَى مُقْتَضَى الْإِذْنِ، فَإِنْ تَجَرَّدَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَنْ النَّهْيِ وَالْإِذْنِ جَمِيعًا، فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: لَيْسَ لِقَاضِي الْخَلِيفَةِ اسْتِخْلَافُ قَاضٍ مَكَانَهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا يَحْكُمُ وَلَا إنْ عَاقَهُ مَا يَعُوقُ مِنْ الشُّغْلِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَهَذَا يَسْتَخْلِفُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِيَكْفِيَهُ بَعْضَ تَعَبِ الْخُصُومِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عَمَلُ الْقَاضِي وَاسِعًا فَيُرِيدُ أَنْ يَقْدُمَ فِي الْجِهَاتِ الْبَعِيدَةِ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْخَلِيفَةِ، وَفِي الْمَازِرِيِّ: قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إذَا وَلَّاهُ الْإِمَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ كُوَرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>