للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَقَرَّ عِنْدَك عِلْمُ كُلِّ مَا تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْهُ، فَلَمْ تَبْقَ لَهُ حُجَّةٌ فَتَغَيَّبَ فَاقْضِ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ إذَا تَغَيَّبَ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ حُجَجِهِ وَهَرَبَ فِرَارًا مِنْ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ وَيُعْجِزُهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ إذَا قَدِمَ أَنْ يَقُومَ بِحُجَّةٍ. بِمَنْزِلَةِ أَنْ لَوْ قَضَى عَلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إذَا أَتَى بِحُجَّةٍ لَهَا وَجْهٌ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ تُسْمَعُ مِنْهُ، وَأَمَّا إنْ هَرَبَ وَتَغَيَّبَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ حُجَجِهِ فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَلَوَّمَ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَتَمَادَى عَلَى تَغَيُّبِهِ وَاخْتِفَائِهِ قَضَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ حُجَّتَهُ.

مَسْأَلَةٌ: وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فِي بَابِ تَطْلِيقِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى زَوْجِهَا بِشَرْطِ الْمَغِيبِ، أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي الْحُكْمِ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْحُجَّةَ مُرْجَاةٌ لِلْغَائِبِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبِهِ الْحُكْمُ، فَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ عَنْ الشُّهُودِ فِيهِ نَفَذَ الْحُكْمُ، وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْقُضُهُ،، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ يَعْنِي مِنْ الدُّيُونِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكْشِفَ فِي تَسْجِيلِهِ عَنْ أَسْمَاءِ الشُّهُودِ لِيَعْرِفَ الْغَائِبُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَفِي مَنْ يَدْفَعُ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ فِي كُلِّ مَا يَنْبَغِي فِيهِ إعْذَارٌ، فَإِنْ وَقَعَ الْحُكْمُ مُجْمَلًا، وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ أَسْمَاءِ الشُّهُودِ فَلَيْسَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَهُوَ تَامٌّ، وَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ، وَإِنْ فَعَلَهُ لَزِمَ الْحُكْمُ وَيُقَالُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ: اذْهَبْ إلَى الْحَاكِمِ الَّذِي حَكَمَ عَلَيْك يَكْشِفُ عَمَّا حَكَمَ بِهِ عَلَيْك، هَكَذَا هُوَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْمُسْتَخْرَجَةِ، وَالْقَضَاءُ بِذَلِكَ نَافِذٌ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْكَشْفُ عَنْ أَسْمَاءِ الشُّهُودِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إلَى الْقَاضِي فَيَجِدُهُ قَدْ مَاتَ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ إلَّا كَامِلًا، وَذَكَرَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى غَائِبٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَسْمَاءِ الشُّهُودِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لِسَحْنُونٍ خِلَافُ هَذَا مِنْ (مُفِيدِ الْحُكَّامِ) .

[فَصْلٌ فِي إرْجَاءِ الْحُجَّةِ لِلْغَائِبِ]

ِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: إرْجَاءُ الْحُجَّةِ لِلْغَائِبِ فِيمَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْهِ أَصْلٌ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَالْقُضَاةِ، وَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ، وَلَا الْحُكْمُ بِغَيْرِهِ، إذْ هُوَ كَالْإِجْمَاعِ فِي الْمَذْهَبِ. وَذُكِرَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا تُرْجَى لَهُ حُجَّةٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُوجَدُ عَنْهُ فِي الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا رِوَايَتُهُ فِي حَوَاشِي الْمُدَوَّنَاتِ الْمَسْمُوعَةِ عَلَى ابْنِ وَضَّاحٍ أَوْ عَلَى رِوَايَةٍ مِنْهَا أَدْخَلَهَا ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي وَثَائِقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>