فَأَجَابَ أَبُو صَالِحٍ: قَرَأْت وَفَّقَك اللَّهُ الصَّدَاقَ أَوَّلَهُ إلَى آخِرِهِ، فَرَأَيْته قَدْ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ قَدَّمَ بِعَقْدِهِ، فَإِذَا صَحَّ عِنْدَك أَنَّهُ مُخْتَلَقٌ مُفْتَعَلٌ وَجَبَ فَسْخُهُ، وَتَأْدِيبُ عَاقِدِهِ وَشَاهِدَيْهِ وَالنَّاكِحُ تَأْدِيبًا بَلِيغًا يَكُونُ شِرَادًا لِغَيْرِهِمْ، وَمِقْمَعَةً لِمَنْ سَمِعَ بِهِمْ مِنْ أَمْثَالِهِمْ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ إذَا دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَيَرَى الْقَاضِي رَأْيَهُ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِمْ مَا يَكُونُ زَاجِرًا لَهُمْ وَوَعْظًا مِنْ فِعْلِهِمْ.
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ يُعَاقَبُ الشَّاهِدَانِ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ، وَيُطَافُ بِهِمَا كَمَا يُفْعَلُ بِأَهْلِ الزُّورِ، لِأَنَّهُمَا قَدْ أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى مَا لَمْ يَسْمَعَا، وَهَذِهِ شَهَادَةُ زُورٍ إذَا شَهِدَ عَلَى مَا لَمْ يُسْتَشْهَدْ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى مَا افْتَاتَ عَلَى الْقَاضِي وَأَمَّا النَّاكِحُ فَهُوَ أَعْذَرُ لَعَلَّهُ يَقُولُ: لَمَّا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ وَعَقَدَ الْعَاقِدُ، قَدْ ظَنَنْت أَنَّهُمْ قَالُوا الْحَقَّ فَهُوَ عِنْدِي أَعْذَرُ وَالشَّاهِدَانِ وَالْعَاقِدُ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي افْتِيَاتِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ فِي عُقُوبَةِ الْقَاضِي إذَا حَكَمَ بِالْجَوْرِ]
ِ وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: وَعَلَى الْقَاضِي أَذَا أَقَرَّ بِالْجَوْرِ، أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ بِالْعُقُوبَةِ الْمُوجِعَةِ وَيُعْزَلُ وَيُشْهَرُ وَيُفْضَحُ وَلَا تَجُوزُ وِلَايَتُهُ أَبَدًا وَلَا شَهَادَتُهُ، وَإِنْ أَحْدَثَ تَوْبَةً وَصَلُحَتْ حَالُهُ بِمَا اجْتَرَمَ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
مَسْأَلَةٌ: مِنْ الطُّرَرِ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُلَقِّنِ الْخَصْمِ فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَيُضْرَبُ وَيُشْهَرُ فِي الْمَجَالِسِ وَيُعَرَّفُ بِهِ وَيُسَجَّلُ عَلَيْهِ وَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ بِقُرْطُبَةَ بِكَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute