للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: فِيمَا يَجِبُ بِشَهَادَةِ الِاسْتِنْكَاهِ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُتَيَقِّنِينَ لِلرَّائِحَةِ أَوْ شَاكِّينَ فِيهَا، فَإِنْ كَانُوا مُتَيَقِّنِينَ لِلرَّائِحَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أَنَّهَا رَائِحَةُ مُسْكِرٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ رَائِحَةِ مُسْكِرٍ، أَوْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ رَائِحَةِ مُسْكِرٍ فَلَا نَعْلَمُ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا فِي وُجُوبِ تَرْكِ الْحَدِّ، وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا رَائِحَةُ مُسْكِرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَائِحَةُ مُسْكِرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِرَائِحَةِ مُسْكِرٍ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا اجْتَمَعَ مِنْهُمْ اثْنَانِ عَلَى أَنَّهَا رَائِحَةُ مُسْكِرٍ حُدَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ قَامَتْ وَكَمُلَتْ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ نَفْيُ مَنْ نَفَى مُقْتَضَاهَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ شَرِبَ خَمْرًا.

وَقَالَ شَاهِدَانِ آخَرَانِ لَمْ يَشْرَبْ خَمْرًا.

[مَسْأَلَةٌ شَكَّ الشُّهُودُ فِي الرَّائِحَةِ هَلْ هِيَ رَائِحَةُ مُسْكِرٍ أَوْ غَيْرِهِ]

مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ شَكَّ الشُّهُودُ فِي الرَّائِحَةِ هَلْ هِيَ رَائِحَةُ مُسْكِرٍ أَوْ غَيْرِهِ نُظِرَتْ حَالُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّفَهِ نُكِّلَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ خَلَّى سَبِيلَهُ، حَكَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالسَّفَهِ وَالشُّرْبِ وَالتَّخْلِيطِ، خِيفَ أَنْ يَكُونَ مَا شُكَّ فِيهِ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ وَوَجَبَ أَنْ يُزْجَرَ عَنْ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ بِذَلِكَ إلَى إظْهَارِ مَعْصِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَتَبْعُدُ عَنْهُ الرِّيبَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَدَّ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْفِطْرُ مِنْ تَجَاوُزِ الشَّرَابِ مِنْ الْفَمِ إلَى الْحَلْقِ.

[مَسْأَلَةٌ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَاءَ خَمْرًا]

مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَاءَ خَمْرًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا يَقِيئُهَا حَتَّى يَشْرَبَهَا، وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالسِّيَاسَةِ صِفَةُ الشَّهَادَةِ، وَصِفَةُ الضَّارِبِ وَالضَّرْبِ، وَمَا يُضَافُ إلَى الْحَدِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>