للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ وَمِمَّا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ تَفْلِيسُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ]

ِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَنْ أَعْتَقَهُ الدَّيَّانُ لِتَعَارُضِ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْعِتْقِ وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَكَذَلِكَ إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ، وَكَانَ الزَّمَانُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يَفُتْ الْمَقْصُودُ فَإِذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ نَظَرَ فِي ذَلِكَ فَيَفْسَخُهُ عَنْهُ إنْ كَانَ فِي الصَّبْرِ مَضَرَّةٌ، وَلَا يُفْسَخُ بِغَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ (قَيْدُ الْمُشْكِلِ وَحَلُّ الْمُعْضِلِ) لِابْنِ يَاسِينَ، وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْحُدُودُ، فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَقَادِيرُهَا مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَهَا لِجَمِيعِ النَّاسِ يُؤَدِّي إلَى الْفِتَنِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْقَتْلِ وَفَسَادِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا فَعِتْقُهُ عَلَيْهِ، يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ ثَمَّ جِنَايَةٍ تَقْتَضِي مِثْلَ هَذَا الضَّرْبِ أَمْ لَا، وَيَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقِ كَوْنِ ذَلِكَ الضَّرْبِ مُبَرِّحًا بِذَلِكَ الْعَبْدِ، وَهَلْ السَّيِّدُ عَاصٍ بِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ، أَوْ لَيْسَ عَاصِيًا فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ وَهَذَا بَعْدَ وُقُوعِهِ مِنْ السَّيِّدِ.

وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْعَبْدِ إلَّا بِالْحُكْمِ؛ لِتَعَارُضِ حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي الْعِتْقِ وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الْمِلْكِ وَحَقِّ الْعَبْدِ فِي تَخْلِيصِ الْكَسْبِ، وَقُوَّةُ الْخِلَافِ فِي التَّكْمِيلِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْحُكْمِ، وَلَوْ رَضِيَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ هُوَ وَسَيِّدُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ عَلَى الْغَائِبِينَ مِنْ الْمَفْقُودِينَ وَغَيْرِهِمْ، فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَكَذَلِكَ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْمَقَادِيرِ، وَأَسْبَابُ الِاسْتِحْقَاقَاتِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحَاكِمِ، وَلَوْ فُوِّضَتْ لِجَمِيعِ النَّاسِ لَدَخَلَهُمْ الطَّمَعُ، وَأَحَبَّ كُلُّ إنْسَانٍ لِنَفْسِهِ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ مَا يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْفِتَنِ، وَكَذَلِكَ جِبَايَةُ الْجِزْيَةِ وَأَخْذُ الْخَرَاجَاتِ مِنْ أَرَاضِي الْعَنْوَةِ لَوْ جُعِلَتْ إلَى الْعَامَّةِ لَفَسَدَ الْحَالُ، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرَاتُ؛ لِأَنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى تَحْرِيرِ الْجِنَايَةِ وَحَالِ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحَاكِمِ، وَكَذَلِكَ مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى كَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ، يَطُولُ تَتَبُّعُهَا.

[الْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ]

ٍ كَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، كَالْعَصِيرِ إذَا اشْتَدَّ، وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَتَحْرِيمِ السِّبَاعِ، وَكَذَلِكَ وَفَاءُ الدُّيُونِ وَرَدُّ الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ وَأَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ، فَالْمُبَادَرَةُ بِهَا مُتَعَيَّنٌ، وَلَا يَفْتَقِرُ فِيهَا إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ اسْتِقْلَالًا، وَأَمَّا بِطَرِيقِ الْعَرْضِ فَيَدْخُلُهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَمِمَّا لَا يَفْتَقِرُ فِيهِ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ إذَا هَرَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>