للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ الْقَضَاءُ يَنْعَقِدُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ]

قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ الْقَضَاءُ يَنْعَقِدُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عَقْدُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَحَدِ أُمَرَائِهِ الَّذِينَ جَعَلَ لَهُمْ الْعَقْدَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَالثَّانِي عَقْدُ ذَوِي الرَّأْيِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْعَدَالَةِ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ كَمُلَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقَضَاءِ وَهَذَا حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمْ مُطَالَعَةُ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَسْتَدْعُوا مِنْهُ وِلَايَتَهُ، وَيَكُونُ عَقْدُهُمْ لَهُ نِيَابَةً عَنْ عَقْدِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْ نِيَابَةً عَمَّنْ جَعَلَ الْإِمَامُ لَهُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ.

[فَصْلٌ وَلَّى الْإِمَامُ رَجُلًا لِلْقَضَاءِ]

قَالَ الْمَازِرِيُّ إذَا وَلَّى الْإِمَامُ رَجُلًا لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَنُفُوذِ أَحْكَامِهِ إلَى ثُبُوتِهَا، وَثُبُوتُهَا يَقَعُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِمَامِ مُشَافَهَةً بِذَلِكَ مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ وَلَّاهُ عَلَى كَذَا، فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ.

الثَّانِي الِاسْتِفَاضَةُ وَانْتِشَارُ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ قَدْ وَلَّاهُ، وَهَذَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، قَالَ: وَالْأَصَحُّ قَبُولُ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ فِي تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ إذَا انْتَشَرَ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ، وَتَوَاتَرَ تَوَاتُرًا يُعْلَمُ مِنْهُ وَمِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الْإِمَامَ قَدْ وَلَّاهُ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ ثُبُوتَ تَوْلِيَتِهِ بِكِتَابٍ يُقْرَأُ عَنْ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ يَنْظُرُونَ فِيمَا يَقْرَؤُهُ الْقَارِئُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ يَقْرَأُ مَا لَيْسَ مَكْتُوبًا، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَسَيَأْتِي.

[فَصْلٌ قَبُولِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مِنْ الْأَمِيرِ غَيْرِ الْعَدْلِ]

وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ مِنْ الْأَمِيرِ غَيْرِ الْعَدْلِ فَفِي رِيَاضِ النُّفُوسِ فِي طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ أَفْرِيقِيَّةَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَالِكِيِّ قَالَ: قَالَ سَحْنُونٌ: اخْتَلَفَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَرُّوخَ وَابْنُ غَانِمٍ قَاضِي أَفْرِيقِيَّةَ وَهُمَا مِنْ رُوَاةِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ ابْنُ فَرُّوخَ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا وَلَّاهُ أَمِيرٌ غَيْرُ عَدْلٍ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ.

وَقَالَ ابْنُ غَانِمٍ: يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ وَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ غَيْرَ عَدْلٍ، فَكَتَبَ بِهَا مَالِكٌ فَقَالَ مَالِكٌ: أَصَابَ الْفَارِسِيُّ، يَعْنِي ابْنَ فَرُّوخَ، وَأَخْطَأَ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ يَعْنِي ابْنَ غَانِمٍ.

[فَصْلٌ الْقَاضِي الْمُوَلَّى غَائِبًا وَقْتَ الْوِلَايَةِ]

إذَا كَانَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى غَائِبًا وَقْتَ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبُولُهُ عَلَى التَّرَاخِي عِنْدَ بُلُوغِ التَّقْلِيدِ إلَيْهِ، وَعَلَامَةُ الْقَبُولِ شُرُوعُهُ فِي الْعَمَلِ وَبِهَذَا جَرَى عَمَلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى وَقْتِنَا هَذَا.

[فَصْلٌ وَلَا تَتِمُّ الْوِلَايَةُ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ]

قَالَ ابْنُ الْأَمِينِ وَلَا تَتِمُّ الْوِلَايَةُ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي لِلْمُوَلَّى أَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهَا فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَقْلِيدُهُ فَإِنْ عَرَفَ ذَلِكَ بَعْدَ التَّقْلِيدِ اسْتَأْنَفَ الْوِلَايَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>