للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي: أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ إذَا قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَارِحُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي " بَابِ الْحَجْرِ " وَذَكَرْت هَذَا الْقَوْلَ؛ لِأَنَّهُ جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَيَنْتَفِي بِهِ فِي الْعَمَلِيَّاتِ يُرِيدُ فِي الْقَضَايَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَحْكَامِ.

[فَصْلٌ وَلَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَخْتَارَ قَوْلًا يُفْتِي أَوْ يَحْكُمُ بِهِ]

فَصْلٌ: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ ذَاتَ أَقْوَالٍ أَوْ رِوَايَاتٍ فَالْفَتْوَى وَالْحُكْمُ بِقَوْلِ مَالِكٍ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ قَوْلًا يُفْتِي أَوْ يَحْكُمُ بِهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ، فَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ تَقْوِيَةً مَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ فِي " إقْلِيدِ التَّقَالِيدِ " قَالَ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ عَنْ مَالِكٍ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَعَلَى ذَلِكَ اعْتَمَدَ شُيُوخُ الْأَنْدَلُسِ، وَإِفْرِيقِيَةَ إذْ تَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ أَصْبَغُ بْنُ خَلِيلٍ صَاحِبَ رِيَاسَةِ الْأَنْدَلُسِ خَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ فَقِيرًا لَمْ يَكْتَسِبْ شَيْئًا، وَلَا تَرَكَ مَالًا بَلَغَتْ تَرِكَتُهُ كُلُّهَا مِائَةَ دِينَارٍ، قَالَ: وَسَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ خَالِدٍ يَقُولُ: دَخَلْت يَوْمًا عَلَى أَصْبَغَ بْنِ خَلِيلٍ فَقَالَ لِي يَا أَحْمَدُ فَقُلْت: نَعَمْ، فَقَالَ اُنْظُرْ إلَى هَذِهِ الْكُوَّةِ لِكُوَّةٍ عَلَى رَأْسِهِ فِي حَائِطِ بَيْتِهِ، فَقُلْت لَهُ نَعَمْ، فَقَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ رَدَدْت مِنْهَا ثَلَثَمِائَةِ دِينَارٍ صِحَاحًا عَلَى أَنْ أُفْتِيَ فِي مَسْأَلَةٍ بِغَيْرِ رَأْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِمَّا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَمَا رَأَيْت نَفْسِي فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَحَدَّثَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ عَنْ سَحْنُونٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ رَضِيت بِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ لِنَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنِي وَبَيْنَ النَّارِ.

وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَأَنَا رَضِيت ابْنَ الْقَاسِمِ لِنَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنِي وَبَيْنَ النَّارِ، قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ وَمَا سَحْنُونٌ بِدُونِهِمَا؟ قَالَ ابْنُ زِيَادٍ وَأَنَا رَضِيت ابْنَ وَضَّاحٍ لِنَفْسِي.

تَنْبِيهٌ: وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَفِي الطُّرَرِ عَلَى التَّهْذِيبِ لِأَبِي الْحَسَنِ الطَّنْجِيِّ قَالَ: قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِهَا وَذَلِكَ لِصِحَّتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>