للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ: لَا أُسَلِّمُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَنْقُلُهُ عَنْ مَالِكٍ وَفِيمَا يَجْتَهِدُ فِيهِ عَلَى أُصُولِ الْمَذْهَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ كَذَا فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ عَمَلَ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ أَوْ جِهَةً مِنْ الْجِهَاتِ فَلَيْسَ يَتَرَجَّحُ بِهَذَا، وَإِذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُطْلَقًا دُونَ تَقْيِيدٍ وَتَفْصِيلٍ وَهِيَ مُسْتَقَرُّ الْوَحْيِ وَمَنْزِلُ الرِّسَالَةِ، فَكَيْفَ يُرَجَّحُ بِعَمَلِ أَهْلِ قُرْطُبَةَ؟ . انْتَهَى مَا لَخَّصْته مِنْ الْجَوَابِ.

وَكَلَامُهُ فِي الْجَوَابِ عَمَّا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ غَيْرُ شَافٍ وَقِيَاسُهُ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِجْمَاعِ هَلْ يَكُونُ عَمَلُهُمْ إجْمَاعًا أَمْ لَا؟ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَنُصُوصُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مُتَوَاطِئَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا مِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ، إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْعُرْفُ فِي بَلَدَيْنِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ مُرَجِّحًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْعُرْفُ عِنْدَنَا فِي ذَوَاتِ الْأَقْدَارِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَخْرُجُ مِنْ الدَّارِ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهَا لِمُوجِبِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ حَفِظْت عَنْ شَيْخِنَا ابْنِ رِزْقٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا الْبَابُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ تَابِعٌ لِلْعُرْفِ فَرُبَّ مَتَاعٍ يَشْهَدُ الْعُرْفُ فِي بَلَدٍ أَوْ زَمَانٍ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ، وَيَشْهَدُ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ زَمَانٍ آخَرَ أَنَّهُ لِلنِّسَاءِ، وَيَشْهَدُ فِي الزَّمَانِ الْوَاحِدِ وَالْمَكَانِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ مَتَاعُ النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمٍ وَمِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ إلَى قَوْمٍ آخَرِينَ، كَالنُّحَاسِ الْمَصْنُوعِ فِي بَلَدِنَا فَإِنَّهُ مِنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِهَازِ الْأَنْدَلُسِ، وَمِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جِهَازِ الْحَضَرِ، فَلَوْ قَالَ عَالِمٌ: الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا لَمْ يَعُمَّ ذَلِكَ سَائِرَ الْبِلَادِ بَلْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ الَّذِي جَرَى فِيهِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا تَجِدُهُمْ يَقُولُونَ فِيهِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ كَذَا، بَلْ يَقُولُونَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَلَدِ كَذَا وَفِي عُرْفِهِمْ كَذَا، وَكَذَا وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَذْكُرُونَ مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِيهَا لِلتَّعَرُّفِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ وَتَغَيُّرِ الْعَوَائِدِ وَذَلِكَ أَمْرٌ عَامٌّ، فَإِنَّهُ مِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي هَذَا، وَظَاهِرُ النُّصُوصِ تَشْهَدُ بِذَلِكَ وَهَذَا أَيْضًا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>