للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْقُضَاةِ فَإِنَّهُمْ قِوَامُ أَمْرِهِ وَرَأْسُ سُلْطَانِهِ، وَكَذَلِكَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَفَقَّدَ قُضَاتَهُ وَنُوَّابَهُ فَيَتَصَفَّحَ أَقْضِيَتَهُمْ وَيُرَاعِيَ أُمُورَهُمْ وَسِيرَتَهُمْ فِي النَّاسِ.

وَعَلَى الْإِمَامِ وَالْقَاضِي الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقَضَاءِ أَنْ يَسْأَلَ الثِّقَاتِ عَنْهُمْ وَيَسْأَلَ قَوْمًا صَالِحِينَ مِمَّنْ لَا يَتَّهِمُ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُخْدَعُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ ذَوِي الْأَغْرَاضِ يُلْقِي فِي قُلُوبِ الصَّالِحِينَ مِنْ الْقَاضِي شَيْئًا لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى ذَمِّ الصُّلَحَاءِ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ عِنْدَهُمْ وَسُؤَالِهِمْ عَنْهُ، فَإِذَا ظَهَرَتْ الشَّكِيَّةُ بِهِمْ، وَلَمْ تُعْرَفْ أَحْوَالُهُمْ سَأَلَ عَنْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانُوا عَلَى طَرِيقِ اسْتِقَامَةٍ أَبْقَاهُمْ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْهُمْ عَزَلَهُمْ.

وَاخْتُلِفَ فِي عَزْلِ مَنْ اُشْتُهِرَتْ عَدَالَتُهُ بِتَظَاهُرِ الشَّكْوَى. قَالَ مُطَرِّفٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ عَزْلُ مَنْ عُرِفَ بِالْعَدَالَةِ وَالرِّضَا إذَا اشْتَكَى بِهِ، وَإِنْ وَجَدَ مِنْهُ عِوَضًا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادًا لِلنَّاسِ عَلَى قُضَاتِهِمْ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَعْزِلَهُ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَالرِّضَا، إذَا وَجَدَ مِنْهُ بَدَلًا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِلنَّاسِ يَعْنِي لِمَا ظَهَرَ مِنْ اسْتِيلَاءِ الْقُضَاةِ وَقَهْرِهِمْ، فَفِي ذَلِكَ كَفٌّ لَهُمْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَشْكُوُّ غَيْرَ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ فَلْيَعْزِلْهُ إذَا وَجَدَ مِنْهُ بَدَلًا وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الشَّكِيَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بَدَلًا كَشَفَ عَنْ حَالِهِ. وَوَجْهُ الْكَشْفِ أَنْ يَبْعَثَ إلَى رِجَالٍ يُوثَقُ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ سِرًّا، فَإِنْ صَدَقُوا مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ الشَّكِيَّةِ عَزَلَهُ وَنَظَرَ أَقْضِيَتَهُ وَأَحْكَامَهُ، فَمَا وَافَقَ الْحَقَّ أَمْضَاهُ وَمَا خَالَفَهُ فَسَخَهُ، وَإِنْ قَالَ الَّذِينَ سُئِلُوا عَنْهُ مَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا أَبْقَاهُ وَنَظَرَ فِي أَقْضِيَتِهِ وَأَحْكَامِهِ فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ مَضَى وَمَا لَمْ يُوَافِقْ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَدَّهُ، وَحُمِلَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى الْخَطَأِ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ جَوْرًا.

[فَصْلٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكِّنَ الْقَاضِي النَّاسَ مِنْ خُصُومَةِ قُضَاتِهِمْ]

فَصْلٌ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكِّنَ النَّاسَ مِنْ خُصُومَةِ قُضَاتِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَيُسْتَهَانُ بِذَلِكَ وَيُؤْذَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا فَاجِرًا وَهُوَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِمَّنْ شَكَاهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَيَتَسَلَّطُ ذَلِكَ الْقَاضِي عَلَى النَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>